فى شهادتها الأخيرة يوم 22 أبريل أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، أطلقت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون نيران مدفعيتها الثقيلة فى عدة اتجاهات، فأصابت الفلسطينيين والباكستانيين والإيرانيين على حد سواء.
فبالنسبة للفلسطينيين قالت بالحرف الواحد: إن «الولايات المتحدة لن تتعامل ولن تقدم أى دعم مالى بأى شكل من الأشكال إلى حكومة فلسطينية تضم حماس، إلا إذا تخلت الأخيرة عن العنف، واعترفت بإسرائيل.
ووافقت على ضرورة احترام الالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية»، وبالنسبة للجبهة الباكستانية اعتبرت الوزيرة أن باكستان التى تملك ترسانة نووية، تشكل تهديدا قاتلا لأمن وسلامة أمريكا والعالم، داعية المسئولين والشعب الباكستانى داخل وخارج بلاده.
إلى إدانة أى سياسة تؤدى إلى التنازل للمتطرفين عن مزيد من الأراضى (كانت الوزيرة كلينتون تشير إلى ما تردد عن استيلاء «طالبان أفغانستان» على منطقة فى شمال غرب البلاد لا تبعد أكثر من 60 كيلومترا عن العاصمة إسلام أباد، وقبول الحكومة الباكستانية تطبيق الشريعة الإسلامية فى وادى سوات كجزء من اتفاق سلام مع المتطرفين).
وحظيت إيران بجانب لا بأس به من قذائف السيدة كلينتون، حيث توعدتها بعقوبات أشد تصيبها بالشلل إذا ما فشلت الدبلوماسية المتبعة حاليا معها فى معالجة برنامجها النووى.
لا أريد التعليق على ما ذكرته الوزيرة عن باكستان باستثناء القول بأن أمريكا تكرر نفس الأخطاء التى ارتكبتها فى فيتنام عندما قامت بتوسيع نطاق عملياتها الحربية لتشمل كمبوديا بعد أن أعيتها الحيل فى الشأن الفيتنامى، وها هى تفعل الشىء نفسه فى باكستان فى ضوء ما تلاقيه من فشل فى أفغانستان. أما إنذارها الموجه إلى إيران فلا أعتقد أن هذا البلد على استعداد للتفاوض تحت التهديد أو الإكراه.
ما أود التركيز عليه هو ما قالته الوزيرة الأمريكية بشأن حماس والحكومة الفلسطينية. والواقع أن رفضها التعامل مع أى حكومة تضم حماس هو مصادرة مسبقة على المطلوب، وإجهاض للجهود الرامية لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس والتوصل إلى اتفاق حول حكومة ائتلافية انتقالية، تمهيدا لإجراء انتخابات يفترض نزاهتها، وقد تفوز فيها حماس مرة أخرى.
وتضيف الوزيرة فى تصريحاتها القول بأنها قد أوضحت موقف الولايات المتحدة السابق فى المحادثات التى جرت مع العرب والحلفاء الآخرين. وأنها وإن حرصت على إبقاء الباب مفتوحا حتى أمام حماس، فإنه وفقا لما تسمعه فليس هناك أى نية لدى حماس للاستجابة للشروط السابقة التى هى فى الواقع شروط الرباعية، بل هى شروط وردت فى المبادرة العربية.
نشكر بالطبع للوزيرة الأمريكية تذكيرنا بما جاء بالمبادرة العربية، غير أن الإنصاف كان يقتضى منها أن تأتى على ذكر الشروط المطلوبة من إسرائيل والواردة فى المبادرة نفسها.
تذكرنا شروط كلينتون عام 2009 بالشروط المماثلة التى وضعها وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر عام 1975 للتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهى الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود وقبول قرارى مجلس الأمم رقمى 242 و338.
وكلنا يعلم أن منظمة التحرير لم تهرول حينئذ مستجيبة للشروط الأمريكية، بل أخذت تقيمها وتحسب نتائجها، وتعد العدة للتعامل معها، حتى اقتنعت بعد ثلاثة عشر عاما كاملة وبالتحديد يوم 14 ديسمبر 1988 بالمطلب الأمريكى، فأعلنت المنظمة قبولها للقرارين 242 و338 والاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود ونبذ الإرهاب.
وفى نفس اليوم الذى أعلنت فيه منظمة التحرير قبولها بالشروط المطلوبة، أعلنت الولايات المتحدة فى المقابل ــ بناء على تفاهم سابق بالطبع ــ فى بيان صادر من الرئيس الأسبق رونالد ريجان وآخر من وزير الخارجية حينذاك جورج شولز بدء حوار معمق على الفور فى تونس بين الولايات المتحدة والمنظمة وهو الحوار الذى استمر عاما ونصفالعام، وتولاه من الجانب الأمريكى السفير روبرت بيليترو ومن الجانب الفلسطينى السيد/ ياسر عبدربه.
وكما هو معروف عقد بعد ذلك مؤتمر مدريد عام 1991، ثم جرت مفاوضات سرية مباشرة بين المنظمة وإسرائيل فى أوسلو انتهت بالتوقيع فى سبتمبر 1993 فى البيت الأبيض على اتفاقية إنشاء السلطة الفلسطينية، واعترفت المنظمة فى الاتفاقية بحق إسرائيل فى الوجود، وأعلنت نبذ الإرهاب، واعترفت إسرائيل فى المقابل بالمنظمة كممثل شرعى للشعب الفلسطينى. وقد أقر المجلس الوطنى الفلسطينى الذى انعقد فى 24 أبريل 1996 تعديلات على الميثاق الوطنى الفلسطينى لعام 1964 تتماشى مع ما تم التوصل إليه فى أوسلو.
أعود فأقول إن منظمة التحرير أعلنت قبولها للشروط السابق ذكرها بعد العديد من اللقاءات السرية والاتصالات غير المباشرة التى جرت فى كثير من العواصم منها بيروت وواشنطن وستوكهولم، كما بذلت الكثير من الجهود من أجل الإقناع وتقريب وجهات النظر، ودعوات مخلصة من أجل أن تركز الأطراف على نقاط الالتقاء.
وصدرت الكثير من البيانات والقرارات التمهيدية مثل إعلان القاهرة فى نوفمبر 1975 وإعلان المجلس الوطنى الفلسطينى فى الجزائر فى نوفمبر 1988. وفى تصورى أن اتباع هذا الأسلوب هو كفيل بإحداث الأثر المطلوب على موقف حماس وحثها على مراجعة موقفها وتطويره، فى الوقت الذى تتخلى فيه الدول الغربية عن أسلوب الاستبعاد والمقاطعة والحصار الذى أدى إلى مزيد من المعاناة والتطرف.
والأسئلة التى تطرح نفسها بإلحاح الآن تدور حول:
أولا: هل فى استطاعة الولايات المتحدة التعامل بالفعل مع حماس بالطريقة التى تعاملت بها الإدارات الأمريكية السابقة مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى أصبحت الأخيرة شريكا كاملا فى عملية السلام؟
ثانيا: وهل فى مقدور الولايات المتحدة فى المقابل أن توقف عملية التخريب المتعمد قولا وفعلا ومرجعيات السلام من قبل حكومة نتنياهو ــ ليبرمان؟
وأخيرا: هل تتمكن الفصائل الفلسطينية من أن تفاجئ الجميع بتوحيد صفوفها، واحتواء خلافاتها والتوصل إلى صيغة مقبولة تفرض على الجميع، بما فى ذلك الولايات المتحدة، واقعا جديدا يتعين التعامل معه؟