حينما تشعر البجعة بدنو الأجل تلجأ إلى مكان آمن فيه تعزف عن كل شىء وتطلق العناق لشجو تشدو فيه بترنيمة عذبة فريدة تستعد بها لعناق الموت. تغريدة البجعة الأخيرة التى هى أعذب ما غنت فى حياتها لفت النظر إليها فى حياته خالد الذكر الدكتور زكى نجيب محمود فظلت معلومة باهرة مدهشة تعلقت بها ذاكرتى سنوات طويلة. إذا توارت بحثت عنها وإذا اختفت وجدتها أبدا لا تغيب عن وجدانى. أحتفظ بها أتأملها كلما سنح الوقت أو ألحت ذكرى زمن جميل مضى.
تغريدة البجعة ألحت على خاطرى هذا الأسبوع الذى تصادف أن طالعت فيه نتائج ثلاث دراسات علمية تتحدث عن أثر الإحالة على المعاش على النفس وأخطار العزلة النفسية على المسنين وما للرقص والفن من نتائج إيجابية على الجسد فى مرحلة الشيخوخة.
الدراسة الأولى صادرة عن معهد الشئون الاقتصادية البريطانى Institute of Economic Affairs وتوصى بأن يعمل الإنسان طالما هو قادر على العمل صافى الذهن حاضر العقل.
تسوق الدراسة نتائج حاسمة تشجع رغبة الحكومة البريطانية فى رفع سن المعاش فتؤكد أن فى ذلك رفع للكفاءة الإنتاجية للعمل وإضافة لرصيد الخبرة أما الأهم من وجهة نظر الباحثين أن فى هذا علاج أكيد لما يقابل نسبة 40٪ من حالات الاكتئاب فى تلك المرحلة من العمر.
فى النهاية توصى الدراسة بألا يكون هناك «حد طبيعى» للإحالة على المعاش ففى ذلك أثر ضار مباشر على الصحة النفسية والجسدية للإنسان.
الدراسة الثانية التى أجريت على ستة آلاف وخمسمائة شخص ممن تخطوا الثانية والخمسين من أعمارهم لمعرفة أثر العزلة الاجتماعية عليهم، وهل هناك فارق بين من هم فى عزلة حقيقية ومن يشعرون بالعزلة بينما هم يعيشون فى مجتمعات حية؟ تشير النتيجة إلى أن أصحاب العزلة الحقيقية ومن يستشعرونها على حد سواء فى تلك المرحلة من العمر هم أكثر عرضة للوفاة المفاجئة بنسبة تزيد 26٪ عن أقرانهم الذين يتابعون اهتماماتهم الحياتية ويتمتعون بدفء عائلاتهم وصحبة أصدقائهم.
الدراسة الأخيرة الصادرة عن المركز الأمريكى لإبداع المسنين National Center for Creative Aging تؤكد أهمية الفنون خاصة الرقص والإبداع الحركى والفنون المختلفة ومنها الرسم بأنواعه لأن يشيخ الإنسان فى كرامة. لا يقتصر الأمر إذن على ملء الوقت الشاغر إنما يرتبط بما لا يقبل الشك بقدرة الإنسان على الاحتفاظ بمقدراته الإدراكية والمعرفية ومنها الذاكرة الحية والقدرة على التحكم فى رد الفعل واتخاذ القرار.
لا أظن أن البجعة وحدها تغرد فلننصت أيضا لأنفسنا ربما كانت لدينا القدرة على التغريد الأمر الذى معه قد يزداد اهتمامنا بالحياة بدلا من انتظار الموت.