نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى مقالا للكاتب كيرك سويل، محلل المخاطر السياسية، يتناول فيه علاقة حيدر العبادى رئيس وزراء العراق بمليشيات وقوات الحشد الشعبى فى ضوء تطورات العمليات العسكرية العراقية لانتزاع أراضيها من داعش، وكان آخرها سقوط الرمادى عاصمة الأنبار فى يد داعش. ويبدأ الكاتب حديثه أنه فى الثامن من أبريل الماضى، توجه رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى إلى قاعدة الحبانية العسكرية فى شرق الأنبار لمواكبة تحرير تكريت. وقال العبادى، الذى تحدث بنزعة انتصارية مفرطة عن «تحرير صلاح الدين بالكامل» من تنظيم الدولة الإسلامية: «الآن سنتحول نحو الغرب». لكن سرعان ما ردت الدولة الإسلامية بشن هجوم مضاد استولت خلاله على ثكنتين عسكريتين فى شرق الأنبار، وطردت الحكومة بشكل شبه كامل من الرمادى، عاصمة محافظة الأنبار.
ويوضح سويل أن التداعيات السياسية على العبادى كانت كبيرة، وقد اغتنم رئيس الوزراء السابق نورى المالكى ــ وحليفاه، منظمة بدر وعصائب أهل الحق ــ الفرصة من أجل التصدى لسلطة العبادى المتنامية على قوات الحشد الشعبى. وفى بغداد، اندلعت احتجاجات ضد وزير الدفاع خالد العبيدى، وهو حليف سنى للعبادى. وقد زعم المتظاهرون أن عدم كفاءة العبيدى هى التى تسببت بمقتل 140 جنديا عراقيا بعد محاصرتهم لأيام عدة فى قاعدة ناظم الثرثار العسكرية، وقد أُعدِم خمسون منهم بدم بارد بعدما نفدت الذخيرة لديهم. وكذلك أطل المالكى وهادى العامرى، أمين عام منظمة بدر، وقيس الخزعلى، زعيم عصائب أهل الحق، عبر القنوات التلفزيونية المتعاطفة معهم، ووجهوا انتقادات للقيود التى يفرضها العبادى على الحشد، مطالبين بأن تتسلم قوات الحشد مسئولية الأمن مكان الجيش.
•••
ويؤكد سويل أن النزعة الانتصارية السابقة لأوانها لدى العبادى، وسوء إدارة هجوم الأنبار، وما أعقبه من عاصفة إعلامية، كل ذلك، يعكس علاقة العبادى الملتبسة بقوات الحشد الشعبى. فعندما تأسس الحشد فى يونيو 2014، كان فى البداية مجرد مظلة لميليشيات قائمة، تحظى معظمها إنما ليس كلها بالدعم من إيران. وبعد تسلمه رئاسة الوزراء فى سبتمبر الماضى، تعايش العبادى مع هذه الميليشيات، محافظا على طبقة رقيقة من سلطة الدولة. لكن قانون الموازنة الذى أُقِر فى يناير الماضى منحه نفوذا واسعا على صعيد السيطرة على رواتب عناصر تلك الميليشيات ــ أو على الأقل أولئك الذين ينتمون إلى ميليشيات غير مموَلة من إيران. ثم فى مطلع آذار/مارس الماضى، أصدرت الحكومة مرسوما قضى بوضع قوات الحشد الشعبى رسميا تحت سلطة رئيس الوزراء، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.
علاوة على ذلك، يشير سويل إلى سعى العبادى نحو نزع الطابع المذهبى عن الحشد عبر ضم السنة إليه. أحد الأهداف وراء الحدث الذى شهدته الحبانية فى 8 أبريل الماضى كان استقطاب المجندين إلى كتيبة تابعة لقوات الحشد فى الأنبار. وفى مشهد قوى الوقع، سلم العبادى شخصيا البنادق إلى أبناء القبائل السنية الذين تطوعوا فى قوات الحشد. فى الوقت نفسه، حال العبادى دون خوض الميليشيات الشيعية قتالا فى الرمادى، ما أظهر بوضوح أنه ينوى تجنيد مزيد من السنة. فى 25 أبريل الماضى، تحدث العبادى، فى مناسبة شيعية، عن الحشد كمؤسسة حكومية خاضعة لسلطته وأنها سوف تضم العراقيين من مختلف الخلفيات، بما فى ذلك السنة. نظرا إلى شعبية الحشد فى الشارع الشيعى، لم يستطع العبادى مهاجمته، فقرر أن يعمد بدلا من ذلك إلى إحداث تحول فى طبيعته.
ويكشف سويل عن أن منظمة بدر وجماعة عصائب أهل الحق اللتين تريان فى خطة العبادى تهديدا لهما، تسعيان إلى تنفيذ نوع من «الانقلاب الناعم» الذى من شأنه أن يسمح للميليشيات بإعادة تأكيد سيطرتها الأمنية. فقد صرح العامرى لوسائل الإعلام المحلية: «سندخل الأنبار، ولن نسمح لأحد بمنعنا، ما دام أبناء الأنبار الشرفاء يستنجدون بنا». وهنا، شعر بعض قادة الأنبار بإحباط شديد إلى درجة أنهم طلبوا المساعدة من الميليشيات الشيعية، على الرغم من أن آخرين استمروا فى الإصرار على ضرورة تسليح أبناء القبائل فى المحافظة. وقد اعتبر المالكى، فى حديث عبر القناة التابعة لعصائب أهل الحق، أنه ينبغى على العراق أن يتبنى إيران الثمانينيات نموذجا له، وأن يعول على القوات الشيعية غير النظامية بدلا من الجيش. ويرى سويل أن لهذا الكلام أهمية خاصة لاسيما أنه قيل قبيل وقوع «مجزرة» قاعدة الثرثار، ومهد الطريق أمام مطالبة عصائب أهل الحق بأن يتولى الحشد مسئولية الأمن مكان الجيش.
•••
وقد أثارت هذه الحملة حفيظة الحكومة لبضعة أيام ووضعتها فى موقف دفاعى. فقد عقد وزير الدفاع العبيدى مؤتمرا صحافيا وأجرى مقابلات نفى فيها أن يكون هناك إهمال من جانب الحكومة. وفى 28 أبريل المضى، وقف العبادى نفسه فى قاعة مجلس النواب وعرض التنحى من منصبه، قائلا مع ابتسامة على وجهه: «إذا كان مجلس النواب يريد إسقاط رئيس الحكومة، أو الحكومة بكاملها»، فليفعلوا ذلك. لكنه شدد على أن سلطة تغيير الحكومة منوطة بمجلس النواب، وحذر من «وقوع صدامات فى الشارع» ــ فى إشارة واضحة إلى أن الحملة ضده تحركها ميليشيات، وأنهم يحاولون فى الواقع تنفيذ انقلاب عليه.
ويشير سويل إلى تشكيك العبيدى فى التقارير الأولية عن أحداث ثكنة ناظم الثرثار العسكرية التى وقعت مرتين فى غضون أسبوعين فى أيدى تنظيم الدولة الإسلامية خلال الهجوم الذى شنه فى الأنبار. فقد قال إن التقارير التى تتحدث عن سقوط 140 قتيلا لا أساس لها من الصحة، وإنه تم العثور على 25 جثة فقط بعضها يعود إلى قوات العدو. بما أن هذه الأرقام غير مؤكَدة، ليس واضحا إذا كانت مجزرة قد وقعت بالفعل فى ثكنة الثرثار. وفى حين ينشر تنظيم الدولة الإسلامية باستمرار مقاطع فيديو عن المجازر التى ينفذها، تكتفى مقاطع الفيديو التى نشرها من ثكنة الثرثار بإظهار عناصره يغادرون مسرعين بعد استيلائهم على عتاد حكومى كما أنهم يأخذون معهم جثث بعض الجنود الذين يبدو أنهم سقطوا فى القتال.
صحيح أن سقوط ثكنة عسكرية على مقربة من العاصمة يُظهر الحكومة فى موقع ضعفٍ، لكن لا يبدو أن ما حصل فى ثكنة الثرثار كان قتلا جماعيا. حيث يعتقد سويل أنه ربما كانت رواية «مجزرة الثرثار» محاولة المالكى الأخيرة للتمسك بما تبقى له من السلطة ــ فهو لم يعد يسيطر سوى على ولاء نحو ربع النواب الشيعة البالغ عددهم 183 نائبا (أو نحو ثُمن النواب ومجموعهم 328). يعانى ائتلاف دولة القانون الذى ينتمى إليه المالكى والعبادى، من انقسامات حادة، وكل الفصائل خارجه مناهضة بشدة للمالكى. كما أن معظم وسائل الإعلام التى يشاهدها العراقيون الشيعة ــ بما فى ذلك التلفزيون الرسمى ــ تبث فى شكل أساسى تعليقات صادرة عن أنصار العبادى وليس عن أنصار المالكى.
وفى ضوء ذلك لا يرجح سويل مطلقا أن يعود المالكى إلى السلطة عن طريق انقلاب ميليشاوى. لطالما ركزت الاستراتيجية الميليشياوية الإيرانية منذ العام 2003 على بناء السلطة تدريجيا، لأنه من شأن الاستيلاء على السلطة بالقوة أن يثير استياء الشيعة العاديين. يسيطر وزير الداخلية محمد سالم الغبان على الأمن فى العاصمة، لكن العبادى حمى نفسه فى مواجهة وزير الداخلية عبر منحه نائبَين يبدو أنهما مواليان لرئيس الوزراء. وبما أن الضباط الذين يتولون قيادة الوحدات عُيِنوا فى مناصبهم خلال عهد المالكى، من غير المتوقَع أن يكونوا موالين للعبادى. لو بلغت الاحتجاجات المناهضة للعبادى حجما حرجا، لألقت إيران ربما بثقلها خلف تغيير الحكومة، لكنها لم تبلغ قط هذا الحجم.
•••
وينتهى سويل إلى أن العبادى قد رفض المسعى الذى يقوده المالكى وعصائب أهل الحق من أجل تسليم مسئولية الأمن إلى الميليشيات، لكن مازال عليه أن يبنى القدرات القتالية للأجهزة الأمنية الرسمية. وهو يحصل، فى هذا المجال، على الدعم من معظم الفصائل الشيعية ــ ولاسيما من الصدريين ــ التى تبنت خطا قوميا بدعم مؤسسات الدولة. فإبان الجدل حول موقعة الثرثار، شجعت هذه الفصائل العبادى على حل قوات الحشد الشعبى وإنشاء حرس وطنى فى المحافظات من دون انتظار إقرار القانون الذى ينص على تشكيل الحرس الوطنى. لكن على العبادى أن يواجه أيضا الفساد وعدم الكفاءة اللذين تعانى منهما الأجهزة الأمنية، بحسب ما أظهرته بوضوح الإخفاقات العسكرية فى أبريل الماضى.