تراجع معدلات الخصوبة.. مشكلة تجتاح العالم - قضايا عالمية - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تراجع معدلات الخصوبة.. مشكلة تجتاح العالم

نشر فى : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:25 م

تضاعف سكان العالم خلال القرن العشرين، ليبلغ تعدادهم 6,2 مليار نسمة؛ وقد غذى هذا النمو الديموغرافى، وبشكل متواصل، مخاوف من اكتظاظ سكانى، ومن صراعات وانهيار بيئى. غير أن هذا الميل هو على وشك أن ينقلب ليصبح معكوسًا.
وبحسب التوقعات، فإنّ البشرية التى يقترب عدد سكانها من نحو ثمانية مليارات نسمة، ستبلغ ذروتها عند حوالى العشرة مليارات نسمة، وذلك قبل أن تبدأ بالانخفاض. نهاية التوسع المتواصل للبشرية هى إذا فى الأُفق.
وعندما تأتى هذه النهاية، فإن كل النقاش الدائر حول الديموغرافيا، والمستند حتى الآن إلى فكرة أن خصوبة البشرية تتجاوز قدرات الأرض، سيتخذ له منعطفًا آخر. تراجع النمو السكانى يُمكنه أن يكون أكثر سرعة من ذلك الذى اتخذه النمو نفسه، وستكون هذه الفترة فترة تراجع قاسية للغاية، لا هوادة فيها، ولا يمكن التنبؤ معها بما يمكن أن تجر إليه.
الانخفاض المنتظر فى عدد السكان هو النتيجة المنطقية للهبوط الحالى لمعدل الولادات، والذى لا يطاول الدول الغنية والديمقراطية مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية فقط.
●●●
هذه الرؤية تُثير أسئلة وقضايا حساسة حول إمكانية استمرار مجتمع مزدهر يتمتع بمؤسسات صلبة وقوية.
شيخوخة السكان بالنسبة إلى انخفاض التركيبة السكانية باتت أمرًا واقعًا فى بلدان مثل إيطاليا واليابان، حيث معدل الخصوبة، الذى هو فى أدنى مستوياته، يؤدى بالفعل إلى انخفاض فى عدد الناشطين من السكان ويضع المالية العامة على المحك. لكن، بالنظر إلى اتساعه وشمول مداه، سيكون من الأصعب تخيل هذا التحول الديموغرافى القادم، الذى ستغدو كل البلدان وكل مناطق العالم معنية به فى غضون قرن من الزمان، كما سيكون من الأصعب استباق ما سيئول إليه من جوانبه ووجوهه كافة.
انخفاض المواليد يتم الشعور به فى مراحل التعليم الابتدائى والثانوى فى الولايات المتحدة. وهذا الأمر لا ينبغى أن يستغرق وقتا طويلا كى يشمل مرحلة التعليم العالى: عدد التلاميذ فى سن الدخول إلى الجامعة ينبغى أن يصل إلى ذروته فى العام 2025، وذلك قبل أن يبدأ بتراجع ملحوظ لسنوات كثيرة - وهو تهديد للمؤسسات الصغيرة التى لا تفرض شروط قبول قاسية. بحسب دراسة لشركة ماكينزى، فإن المدارس والجامعات غير المُدرجة من بين أفضل مئة مدرسة وجامعة، يمكن أن تشهد انخفاضًا بنسبة 12% فى معدلات الالتحاق بها، مقارنة بالأرقام العائدة للعام 2012، عندما وصلت شرائح كبيرة من جيل الألفية إلى الحرم الجامعى.
ولمواجهة هذا الانخفاض فى المواليد المُسجل منذ العام 2008، ينبغى على الجامعات الصغيرة أن تدمج أكثر فأكثر، ومن دون شك، طلابًا مُتحدرين من الأقليات قليلة التمثيل أو من ذوى الدخل المنخفض، وتكييف أقساطها وبرامجها للسماح للطلاب بالحصول على شهاداتهم من دون الغرق فى الديون مدى الحياة. ويُمكن للتعليم العالى أيضًا، وبالإضافة إلى تلاميذ المرحلة الثانوية المتخرجين حديثًا، أن يتوجه إلى جمهور من الراشدين الأكبر سنًا، والتكيف بذلك مع التحول الديموغرافى.
على نطاق أوسع، فإن مجتمعًا بمعدل مواليد منخفض يُحتم التفكر بالاقتصاد بطريقة مختلفة؛ إذ ستكون لدى الموظفين، سواء فى القطاع الخاص أم العام، صعوبة أكبر فى التجنيد والاستقطاب فى مجتمع يتقلص فيه عدد السكان الناشطين. وبالنظر إلى عدد سكان يشيخ ويعيش لفترات أطول، لكن مع أمراض مُزمنة، فإن الأولوية تعود حينئذ إلى ضرورة ملء المناصب فى قطاعات الصحة والخدمات الاجتماعية، التى تتطلب يدا عاملة كثيفة.
وكما هو الحال فى بلدان أخرى، فإن الولايات المتحدة تعتمد على فائض السكان الناشطين، الذين يسهمون من خلال الضرائب فى تمويل المعاشات التقاعدية والعناية الطبية بالمتقاعدين. انخفاض معدل المواليد يؤدى فى النهاية إلى ارتفاع نسبة الإعالة الديموغرافية، أى العلاقة بين تعداد الذين تتم إعالتهم وتعداد السكان الناشطين أو من هم فى سن العمل، والتى تُجبر الدول على البحث عن إيرادات جديدة أو على تقليص حجم المعاشات التقاعدية، أو الاثنين معًا.
الولايات المتحدة، كبلد جاذب للهجرة إلى حد كبير، يمكنها التعويض عن بعض النقص فى معدلات السكان الناشطين من خلال توسعة حدودها أمام المزيد من العمال الأجانب من الفئة العمرية 25 - 54 سنة. وهو إجراء يسمح بتعزيز المواليد.
لكن أيًا كانت قوة هذا الإغواء بالنسبة إلى الناخبين، فإن لهذه الرافعة حدودًا. ذلك أن الأمر ينتهى بالمهاجرين إلى بلوغ مرحلة الشيخوخة والتقاعد، كما ينتهى الأمر بالعائلات إلى تبنى قواعد بلد الاستقبال ومعاييره. السكان من أصول إسبانية كان لديهم فى الماضى عدد أكبر من العائلات، كما هو الحال فى بلدهم الأصلى. أما اليوم فإن معظم بلدان أمريكا اللاتينية تشهد تراجع معدل تجديد الأجيال لديها، والناس من الولايات المتحدة المولودون فى أمريكا اللاتينية لديهم معدل خصوبة مماثل لأولئك المولودين فى الولايات المتحدة.
●●●
المشكلة فى الواقع عالمية الطابع: معدل الخصوبة آخذ فى التناقص أينما كان، حتى فى إفريقيا، القارة التى كان ينبغى أن تشهد خلال هذا القرن نموًا سكانيًا أكثر سرعة. القسم الأكبر من البشرية يعيش فى بلدان يكون للنساء فيها فى المتوسط مولود أو مولودان، وهو معدل يؤدى إلى نقص هائل ومطرد: كل جيل يغدو أقل تعدادًا من الجيل السابق عليه.
من الناحية السياسية، يتمثل أحد الخيارات فى الاستثمار فى البرامج الداعمة للإنجاب، والتى، فى حال أَصابت نجاحًا، سينتهى بها الأمر على المدى الطويل إلى تمويل نفسها بنفسها. هكذا يدرس الكونجرس النداءات التى أطلقها كل من الحزبين الديمقراطى والجمهورى من أجل توسيع نطاق الإعفاءات الضريبية المفروضة على العائلات. لكنّ علماء الديموغرافيا يقدرون أن مساعدة عائلية متواضعة للأهل لن تُغير فى هذه المعادلة بصورة جوهرية.
فى القرن العشرين، كانت لدى دول مختلفة سياسات ترمى إلى الحد من حجم العائلات، بدءًا من الصين وسياسة الطفل الواحد. وفى مواجهة انخفاض كارثى فى تعداد السكان، قد ترى السلطات العامة نفسها مرغمة على إعادة النظر فى مسألة تقييد الحقوق الإنجابية للنساء بغية زيادة معدل المواليد.
المعارضون للحد من الحقوق الجنسية وتلك الخاصة بالإنجاب يرفضون التدابير المانعة للحرية، والتى تأتى بنتائج عكسية من حيث معدل المواليد. كوريا الجنوبية منعت الإجهاض منذ أكثر من ستين سنة، ولديها أضعف معدل مواليد فى العالم. فى حال أصبحت المزايا الضريبية مرتبطة بتوزيع أفضل لمهام الوالدين، سيكون لديها فرصة فى زيادة المواليد أكبر من تلك التى قد تتأتى من إملاءات السلطات العامة.
عالم الديموغرافيا ليمان ستون، الباحث فى «معهد دراسات الأسرة، The Institute for Family Studies (IFS)، قدر كذلك أن من شأن تدابير دعم الأسر، حتى لو كانت متواضعة، «أن تثمر فى نهاية المطاف وأن تلحظ جدواها على المسار الديموغرافى طويل المدى»، ويمكن أن يكون لها فى الواقع، تأثير على الأزواج الذين يترددون فى أن ينجبوا طفلًا واحدًا لأسباب مالية.
ومشيرًا إلى تباطؤ المواليد لدى النساء اللواتى تقل أعمارهن عن 30 سنة، يعتبر ليمان ستون أن المجتمع يمكنه أن يخضع لإعادة تنظيم بطريقة معاكسة لهذا الاتجاه: «تخيلوا أن نمنح كل شخص دون سن الثلاثين دخلًا أساسيًا متواضعًا على مستوى العالم كله. الذى سيحدث عندئذ هو أن الجميع سيتجهون إلى التعليم العالى».
هذا سيسمح بتحفيز الأزواج من الشباب على الإنجاب مبكرًا، وأن يكون لديهم عدد أكبر من الأطفال، بما أن سن الطفل الأول يحدد، إلى حد بعيد، الخصوبة الإجمالية للمرأة. فى مثل هذا السيناريو، «يغدو لدى الأزواج الذين هم فى العشرينيات من العمر هدفان: إيجاد عمل وإنجاب أطفال».
هذه المعضلات ستكون أقل حدة فى العقود المقبلة فى حال تراجعت وتيرة نقص المواليد أو فى حال استقرارها. لكنّ تطور سكان العالم، بحكم التعريف، لا يمكن التنبؤ به. أيًا كانت كمية المعطيات التى تدرجونها فى نماذجكم، يبقى من الضرورى معرفة كيف نبقى متواضعين، بحسب ما يشير إلى ذلك المختصون. «لا أحد بشر بطفرة مواليد ما بعد عام 1945»، «علماء الاجتماع والديموغرافيا لا يملكون مفاتيح تطور السكان كلها» تذكر سارة هايفورد.


رفيف رضا صيداوى
مؤسسة الفكر العربى
النص الأصلى:
https://rb.gy/zng7gg

قضايا عالمية قضايا عالمية
التعليقات