أثار مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرج، خلال احتفاله بعيد ميلاده العام الماضى جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعى عندما نشر صورة له بقميص يحمل عبارة مكتوبة باللاتينية «يجب تدمير قرطاج Carthago delenda est»، وذلك تيمنًا بالرومانى كاتو الأكبر (234-149 قبل الميلاد)، الذى أراد تدمير قرطاج المنافسة لروما. فلربما قصد زوكربيرج بذلك منافسه إيلون ماسك صاحب شركة إكسX- وهذا أثار غضب التونسيون، رغم أنها غير موجهة لهم.
وعلى أى حال، فإن الصراع بين الفضاءات الاقتصادية الكبرى، يتجه تدريجيًا لرفع عبارة: يجب تدمير قرطاج. والمقصود به الصين، أو العولمة، التى استبشرنا بها خيرًا بعد انتهاء الحرب الباردة. وقتها كان الحديث يدور عن إلغاء الحدود والسماح بتدفق البضائع ونشاط الشركات عبر الحدود. أما شعار المرحلة الراهنة، فهى الرسوم ومن ثم الرسوم، فى موجة صاعدة سوف تؤثر، وربما تقضى على إحدى أيقونات العولمة، إلا وهى منظمة التجارة العالمية.
فما الذى تغير، حتى ينعكس التوجه 180 درجة؟
إنها المصلحة. فشعار العولمة، عندما رفع فى بداية تسعينيات القرن المنصرم، كانت وراءه الدول العظمى التى رأت إن الفرصة أصبحت سانحة لشركاتها للسيطرة على الأسواق فى العالم. فالولايات المتحدة وأوروبا المزهوون بالنصر الذى حققوه فى الحرب الباردة، كان همهم وقتها إزالة ما تبقى من قيود المرحلة السابقة بأسرع ما يمكن، وفرض هيمنتهم على الأسواق، قبل أن يظهر منافس جديد لهم. حينها صدق العالم أو معظمة، حسن نوايا الدول العظمى. فشعار العولمة كان خلابا وجميلا إلى تلك الدرجة، بحيث أصبح التشكيك فيه أمرًا غير ممكن. وقتها نسى العالم أن الدول فى اختلافها عنا نحن، الناس الطيبون، لا تهمها غير مصالحها.
ولكن ما هى إلا أعوام، حتى تنبه جورج بوش الابن، إلى أن وول ستريت قد ثملت بما فيه الكفاية، وصارت تتصرف دونما ضوابط. الأمر الذى خلق المقدمات التى أدت إلى أزمة الرهن العقارى عام 2008.
ومنذ ذلك العام، بدأت قواعد اللعبة تتغير. فلقد انقلب السحر على الساحر، وأصبح المطبلون للعولمة خطوة خطوة يتراجعون عنها، على وقع تزايد العجز التجارى مع الصين، بدلًا من الفائض الذى توقعوه خلال جولات الأوروجواى التى مهدت لقيام منظمة التجارة العالمية. فمن الواضح أن اقتصاد هذه البلدان قد أصبح فى أمس الحاجة إلى إصلاحات هيكلية. ولكن أصحاب المصلحة اختاروا الأسهل، وبدؤوا فى فرض الرسوم الجمركية. الأمر الذى سوف يقضى على العولمة بمفهوم عام 1995، ويفتح المجال للتكتلات التجارية الإقليمية. مثل دول مجلس التعاون وبريكس وآسيان وغيرها.
ولهذا يرتفع الآن شعار «يجب تدمير قرطاج»، والتخلص من الصين، التى بدأت منذ عام 2008 تتجه بخطوات ثابتة نحو الصدارة، وآخرها كان «ديب سيك» deep seek الذى خض معه الأسبوع الماضى مفاهيم العولمة القديمة.
عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
جريدة الرياض السعودية