منذ بداية الثورة السورية، تنادى السوريون بمختلف أطيافهم وتلويناتهم السياسية إلى تأسيس تجمعات أو هيئات أو مجالس، تمت من خلالها محاولة التعويض عن عقودٍ من الاقصاء السلطوى للمواطنين وللنخب عن المجال العام. وقد عبّرت هذه الموجة عن حاجة طبيعية لوضع إطار تنظيمى للعمل المعارض والذى، على الرغم من تمرّس بعض رموزه فى مواجهة السلطة السياسية، ولكنه ظلّ لفترات طويلة بعيداً عن التنظيم وعن الهيكلة على أسس ديمقراطية لأسباب موضوعية.
وتميّز عمل القائمين على هذه التجارب أو المنخرطين فيها بأن غلب عليه طابع التمرن على الإدارة السياسية وإدارة ردود الفعل المباشرة شبه اليومية. وقد أدخلت هذه الآلية عمل هذه الهياكل أحياناً فى الإطار السياسوى الضيق وبدأت فى عكس بعض الممارسات المكتسبة من طبيعة النظام السياسى القائم. وقد أدارت هذه التجمعات عملية التعبير والتحشيد والمواجهة السياسية بعيداً عن المشاريع المستقبلية والأطر الناظمة الضرورية لتوضيح رؤى أو وضع أسس لمرحلة مقبلة. وحتى لا يتم غبن المبادرات، فقد ظهرت بعض الأوراق التى حملت خطوطاً عامة وقدمت للجماهير الثائرة بعضاً من التصورات. إلا أنها ظلت فى إطار العموميات التى يمكن ان يحتويها أى برنامج انتخابى.
•••
هذا الفراغ، حفّز مجموعة من الباحثين والناشطين السوريين على إطلاق مشروع «اليوم التالى» (www.tdi-sy.org) الذى حمل فى صفحاته تصورات أوسع وسيناريوهات متعددة للمرحلة الانتقالية اعتمدت منهجية علمية بعيداً عن التقوقعات السياسية والأيديولوجية. وعلى الرغم من أن اختيار المشاركين فى المشروع تم بناءً على اختصاصاتهم، إلا أنه، وبقدر الممكن، أخذ بعين الاعتبار تمثيل جميع مكونات الشعب السورى السياسية والجنوسية والدينية والاثنية.
وقد تصدى المشروع لست نقاط وجد القائمون عليه أولوية طرحها فى هذه المرحلة لدفع الحجج المحلية والدولية التى تتحدث عن ضبابية الصورة لليوم التالى. وتشمل هذه النقاط، تصميم النظام الانتخابى، وتصميم الجمعية التأسيسية التى ستتولى عملية وضع الدستور، وإصلاح القضاء، وإصلاح القطاع الأمنى، والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، والعدالة الانتقالية. وانقسم فريق العمل إلى مجموعات بحسب الاختصاصات ليخلص المشاركون إلى وضع تصورات مفتوحة فى سعى لإطلاق النقاش العام وتحفيز المشاركة المجتمعية فى التعديل أو الإغناء أو التبنى.
•••
بعيداً عن أى رغبة فى إنشاء تجمعٍ سياسيٍ جديد، اجتهد سوريون وسوريات فى انتاج تصورات للمستقبل. وبمعزل عن الحسابات السياسية والسياسوية الضيقة، فقد ساهموا بقدر إمكاناتهم، وبمساعدة خبراء دوليين لهم باع طويل فى التجارب الانتقالية، فى طرح مشروع طموح اعتمد منهجية علمية واضحة منذ بدايته وجرى النقاش حول تفاصيله على امتداد ثمانية أشهر فى لقاءات جدية وبعيدة عن الإعلام.
إنه مشروعٌ من دون آل التعريف، وبقدر ما يحمله من طموح فى الإجابة عن الكثير من الأسئلة المعلّقة، بقدر ما يتمسك بعنصر قوته الأساسى وهو التواضع فى المحاولة والانفتاح على النقاش.