خرج مصريون بالآلاف لحماية ما اعتبروه مسا بثورتهم أو تهديدا لأحلامهم بديمقراطية جديدة تحترم فصل السلطات والشفافية النسبية للممارسة السياسية وتبتعد عن الاقصاء والتهميش الذى مورس بحقهم طوال عقود. وقد أبرزت هذه الحالة من الوعى بالشأن العام لدى فئات كبيرة من المجتمع، محطة مضيئة فى مسار التغيير القائم وبينت أن للثورة من يحميها، ليس بالقوة إنما بالوعى وبالقدرة على التآلف.
وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف على أسباب ودوافع القرارات الرئاسية أو الاعتراضات عليها، تبشر هذه الظاهرة بالمطلق بمرحلة جديدة فى مصر ولكنها أيضا تساعد فى إعطاء العبر لفئات من السوريين. ففى المجتمع السورى هناك من يخشى التغيير بحجة الخوف من مستقبل ضبابى فى ظل وصول جماعات الإسلام السياسى إلى الحكم فى دول الثورات العربية. وهذا الموقف لا ينبع من علمانية متأصلة، وإنما هو نتيجة الحاجة إلى مشجب تتعلق به هذه الفئة وتنأى بنفسها عن اتخاذ الموقف الوطنى الصحيح المعتمد أساسا على مناهضة الاستبداد والسعى إلى الحرية والكرامة.
يعتبر هؤلاء أيضا أن الشعوب العربية غير جاهزة لعملية التحول الديمقراطى وبأن المسار يجب أن يستند أولا وأخيرا إلى «تربيتها» عليها قبل السعى إليها. وباستحالة تحقيق هذا المسار فى ظل دولة أمنوقراطية، نأى هؤلاء بعقولهم عن استنباط الحل واكتفوا بالترقب وبالانتظار مع جرعات دائمة ومستفيضة من التشكيك بجدوى أى تحرك إذا لم يسبقه عملية تأصيل للمفاهيم وللممارسات.
●●●
لقد ساهمت هذه المواقف فى تعزيز موقع السلطة وفى محاولة استقطاب للبعض. وعزز البعض من مخاوفه ومن تشكيكه بعض الممارسات المصاحبة للثورة فى سوريا أو تلك التى تلت تحقيق التغيير فى الدول الأخرى وعلى رأسها مصر. وترقبت هذه الفئات الهنات فى العملية السياسية وعظمت من الثغرات ومن الاخطاء المرافقة. وفى المقابل، لم تنتج فكرا أو مشروعا أو برنامجا بديلا، وانما اكتفت بالمواعظ أو حتى «بالشماتة» ممن اقتنع بحتمية التغيير وباستحالة الاستمرار فى السير على نفس الطريق المتعرجة وغير المؤدية إلى أى هدف واضح. ورفضت القبول بأن المسار والممارسة أساسيان فى عملية التدرج نحو الفعل الديمقراطى وتهكمت عند سماع تجارب الدول الأخرى التى أمضت سنوات طويلة فى الطريق إلى هذا الهدف النبيل دون أن تفقد الطاقة الذهنية أو الإرادة الوطنية متجاوزة الثغرات والكبوات.
عديدة الدروس المستقاة مما يحصل فى مصر بالنسبة للسوريين، فمن جهة، برز أن اليوم ليس كالأمس وبأن الشعب الذى أراد يوما الحياة، استعادها وسيحميها من كل تجاوز أو اختلال. من جهة أخرى، فالحراك الشعبى نبه الحكام الجدد المنتخبين بأن من اسقط طغاة الماضى سيبقى متيقظا لأية محاولة اقصائية أو استئثارية. وأخيرا، وليس آخرا، فقد أوضح بأن تحالف القوى السياسية المثمر هو خير ألف مرة من الترقب وتصيد الأخطاء. شكرا مصر.