بمناسبة طرح موضوع العدالة الاجتماعية فى الحوار الوطنى نذكر ببعض الأفكار فى هذا الموضوع الهام.
يؤمن المجتمع بالعدالة الاجتماعية عندما يوفّر الشروط التى تسمح للجماعات ولكل فرد بالحصول على ما يحق لهم وفقًا لطبيعتهم ولدعوتهم، والعدالة الاجتماعية على صلة بالخير العام وعلاقته بالخير الخاص.
لا يمكن بلوغ العدالة الاجتماعية إلا فى احترام كرامة الإنسان. فالشخص هو غاية المجتمع ويقتضى احترام الشخص البشرى احترام الحقوق الناتجة من كرامته بكونه خليقة الله تعالى. وهذه الحقوق سابقة للمجتمع ومفروضة عليه. وهى الأساس الشرعى لكل سلطة. فإذا ازدراها المجتمع، أو أبى الاعتراف بها فى تشريعه، فهو يقوض شرعيته الأخلاقية الخاصة.
يمر احترام الأشخاص من خلال احترام مبدأ: «حق الإنسان فى العيش الكريم». وواجب اتخاذ الآخر أخا فى الإنسانية وخدمته بنشاط يصبح أكثر إلحاحا أيضًا خاصة عندما يكون هذا فى عوز أشدّ فى أى مجال من المجالات، ويمتد هذا الواجب نفسه إلى من يختلفون عنا فكرا وفعلا وبما أن جميع البشر قد خلقوا من الله الأوحد، وحصوا بنفس عاقلة واحدة، فهم ذوو طبيعة واحدة وأصل واحد.
المساواة بين البشر تقوم فى جوهرها على كرامتهم الشخصية والحقوق الناجمة عنها: كل نوع من أنواع التمييز فى حقوق الشخص الأساسية، سواء كان قائما على الجنس أو العرق، أو لون البشرة، أو الوضع الاجتماعى، أو اللغة أو الدين، يجب تجاوزه على أنه مخالف لتصميم الله.
لا يتمتع الإنسان عندما يأتى إلى العالم، بكل ما هو ضرورى لنمو حياته الجسدية والروحية. إنه بحاجة إلى الآخرين فتظهر الاختلافات المرتبطة بالسن، والإمكانات الطبيعية، والإمكانات الذهنية أو الأخلاقية، والتبادلات التى قد استفاد منها كل واحد، وتوزيع الثروات بالتساوى. فالاختلافات تشجع الأشخاص على المشاركة وأحيانا كثيرة تلزمهم بها. وهى تحفز الثقافات على أن تغتنى بعضها ببعض: هناك أيضًا أكثر من لا مساواة جائرة تُصيب ملايين من الرجال والنساء، وهى على تناقض فاضح.
فمساواة الأشخاص فى الكرامة يقتضى أن يتوصل المجتمع إلى وضع حياتى أكثر عدالة وأكثر إنسانية، فالتفاوت الاقتصادى والاجتماعى المفرط بين أعضاء الأسرة البشرية الواحدة أو بين شعوبها باعث على العثار والشك، وعقبة فى طريق العدالة الاجتماعية، والإنصاف، وكرامة الشخص الإنسانى والسلام الاجتماعى والدولى.
إن مبدأ التضامن، والذى يُدعى أحيانًا باسم (الصداقة) أو (المحبة ــ الاجتماعية هو من المقتضيات المباشرة للأخوة الإنسانية. هناك خط واسع الانتشار اليوم، هو نسيان شريعة التضامن الإنسانى والمحبة، التى يمليها ويفرضها الأصل المشترك والمساواة فى الطبيعة العاقلة بين الناس، مهما كان الشعب الذى ينتمون إليه.
يظهر التضامن أولا فى توزيع الخيرات وأجر العمل. وهو يفترض أيضًا بذل الجهد فى سبيل نظام اجتماعى أكثر عدالة، يمكن فيه استيعاب التوترات بوجه أفضل وتجد فيه النزاعات، بوجه أسهل، حلا تفاوضيا.
لا يمكن إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية الاقتصادية إلا بمساندة جميع صيغ التضامن: تضامن الفقراء فى ما بينهم، والأغنياء والفقراء، والعمال فى ما بينهم، والعمال وأصحاب العمل فى المؤسسة، والتضامن بين الأمم والشعوب. والتضامن الدولى من مقتضيات النظام الأخلاقى، لأن السلام فى العالم يرتبط به جزئيا. إن فضيلة التضامن تمتد إلى أبعد من الخيرات المادية والروحية. خير الإيمان الروحية، قد عززت بالإضافة نمو الخيور المادية، تعيش وتستمر فى الروح الإنسانية تلك العاطفة التى دفعت وما زالت تدفع النفوس إلى بطولة المحبة عند محررى العبيد وشافى المرضى، ورسل الإيمان والتمدن والعلم إلى كل الأجيال وكل الشعوب، حتى يوجدوا أوضاعًا اجتماعية تمكن الجميع من أن يحيوا حياة لائقة بالإنسان.