مآلات التنافس الياباني الصيني على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ - قضايا آسيوية - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 8:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مآلات التنافس الياباني الصيني على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ

نشر فى : الجمعة 2 أغسطس 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 2 أغسطس 2024 - 7:40 م

انطلاقا من الأهمية الاستراتيجية الكبرى التى تحظى بها دول جزر المحيط الهادئ، وكذلك التنافس المُتزايد بين اليابان والصين على النفوذ والمكانة فى هذه الدول، استضافت العاصمة اليابانية طوكيو، فى الفترة من 16 إلى 18 يوليو 2024، القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ (PALM10)، بمشاركة اليابان و18 دولة ومنطقة أعضاء فى منتدى جزر المحيط الهادئ، ويجرى عقدها بانتظام فى طوكيو مرة كل ثلاث سنوات. وقد ناقشت القمة الأخيرة التى تقاسم رئاستها كل من رئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا، ورئيس وزراء جزر كوك، مارك براون، العديد من القضايا والتحديات المهمة، ولاسيما التنمية الاقتصادية والأمن والتغيرات المناخية.
عُقدت القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ فى ظل توقيت بالغ الأهمية؛ وذلك بالنظر إلى السياقات التى تزامنت مع انعقادها؛ ويمكن توضيح ذلك على النحو التالى:
• تقارب أمنى وعسكرى: لطالما عملت اليابان على تعزيز علاقاتها وتحالفها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر تقديم الدعم فى العديد من المجالات. وفى هذا الإطار، اتجهت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ خلال السنوات القليلة الماضية إلى توسيع تعاونهما الأمنى والدفاعى؛ إذ تعمل طوكيو على تعزيز قدرات المراقبة البحرية لهذه الدول، وكذلك قدرتها على مواجهة المخاطر المناخية والجيوسياسية، فضلاً عن تبادل الرؤى بشأن القضايا والتحديات الأمنية المشتركة.
• تعزيز الصين علاقاتها مع دول جزر الهادئ: عملت الصين خلال الفترة الماضية على تعزيز علاقاتها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر استخدام العديد من الأدوات والآليات، ولاسيما زيادة المساعدات الاقتصادية والتنموية ودبلوماسية الزيارات، فضلاً عن التعاون الأمنى والدفاعى.
• توتر العلاقات الصينية اليابانية: تشهد العلاقات بين بكين وطوكيو منذ عدة أعوام توترا ملحوظا على خلفية تباين مواقف الدولتين إزاء العديد من القضايا الجوهرية التى ترتبط بعلاقاتهما الثنائية، ولاسيما الموقف اليابانى إزاء أزمة تايوان، والذى ترى الصين أنه يمثل انحيازا لما تُطلق عليه بكين «قوى استقلال» تايوان.
• • •
هناك العديد من الاعتبارات والدوافع التى تقف وراء اهتمام كلٍ من اليابان والصين بتعزيز علاقات التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ، ويمكن توضيح ذلك فى الآتى:
• المصالح اليابانية: تمتلك اليابان العديد من المصالح المهمة فى دول ومناطق جزر المحيط الهادئ. وعلى رأسها الحفاظ على حرية الوصول غير المُقيد إلى الطرق البحرية عبر أوقيانوسيا، سواء للسفن البحرية أم التجارية. كما تقوم اليابان باستيراد الموارد الطبيعية من دول جزر المحيط الهادئ، وتعتمد بشكل خاص على مصايد الأسماك الواقعة فى المناطق الاقتصادية الخالصة لهذه الدول.
• المصالح الصينية: تحظى دول جزر المحيط الهادئ بموقع استراتيجى مهم، ولاسيما سيطرتها على مناطق بحرية كبيرة وقربها من خطوط الاتصال التجارية والبحرية فى المحيط الهادئ؛ وهو ما يجعلها تمثل أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للصين، وذلك على الرغم من صغر المساحة الجغرافية لهذه الدول وكذلك امتلاكها اقتصادات صغيرة.
• • •
تتنافس اليابان والصين على النفوذ والمكانة فى دول جزر المحيط الهادئ فى العديد من المجالات؛ ويمكن توضيح أبرز ملامح هذا التنافس فى الآتى:
• انتقادات مُتبادلة: فى سياق تنافسها على النفوذ مع الصين، تعمد اليابان إلى دفع دول جزر المحيط الهادئ إلى تبنى مواقف رافضة لما ترى طوكيو أنه محاولات من جانب بكين لاستخدام القوة فى تغيير الوضع القائم؛ وهو ما تجسد فى إعلان اليابان وهذه الدول، فى البيان المشترك الصادر فى ختام القمّة، عن رفضهما الشديد لأية محاولة أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن عن طريق التهديد أو باستخدام القوة أو بالإكراه.
وردا على هذا الموقف، طالبت وزارة الخارجية الصينية اليابان ودول المحيط الهادئ الأخرى بضرورة المساعدة فى تعزيز السلام والاستقرار والتنمية فى المنطقة بدلاً من انتقاد الصين.
• التنافس الأمنى والعسكرى: تعمل اليابان منذ إعلانها عن طرح مبادرة منطقة المحيطين الهندى والهادئ الحرة والمفتوحة، فى عام 2016، على زيادة وجودها الأمنى والعسكرى فى دول جزر المحيط الهادئ. وقد تجسدت أبرز مؤشرات ذلك فى: زيارات قوات الدفاع الذاتى اليابانية للموانئ والمطارات فى هذه الدول، وإجراء قوات الدفاع الذاتى البحرية تدريبات مع نظيراتها فى تونغا، وفيجى، وجزر سليمان، وبالاو.
وبدورها، عملت الصين على تعزيز تعاونها الأمنى والدفاعى مع دول جزر المحيط الهادئ؛ إذ وقعت اتفاقا أمنيا مع جزر سليمان فى عام 2022، أشارت تسريبات إلى أنه يتضمن بندا يسمح للصين بنشر أفراد عسكريين فى الجزر، فضلاً عن استخدام البلاد كقاعدة للمراقبة الجوية لجزر المحيط الهادئ الأخرى وأستراليا.
• التنافس الاقتصادى والتنموى: تشارك اليابان بالتعاون مع أستراليا والولايات المتحدة فى العديد من مشروعات تطوير البنية التحتية فى دول جزر المحيط الهادئ. كما أنها تُعد أيضا أحد أعضاء برنامج الشركاء فى المحيط الهادئ الأزرق، الذى تم تدشينه فى يونيو 2022؛ لتنسيق المساعدة لهذه الدول.
وخلال القمة الأخيرة، أطلقت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ عدة مبادرات جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادى، منها: تبرع طوكيو بسفينة أبحاث مصايد الأسماك لكل من جزر مارشال وميكرونيزيا وبابوا غينيا الجديدة وفانواتو؛ لمساعدتها على مراقبة موارد مصايد الأسماك. وكذلك، «مبادرة المحيط الهادئ للمرونة المناخية»؛ لمساعدة دول جزر المحيط الهادئ على تخفيف آثار تغير المناخ.
وفى المقابل، قامت الصين بدعم اقتصادات دول جزر المحيط الهادئ من خلال مبادرة الحزام والطريق، عبر تقديم قروض بفائدة مُنخفضة لإقامة مشروعات للبنى التحتية؛ وهو ما مكّنها من الحصول على حق الوصول المُوسّع لأسطول الصيد الخاص بها.
• • •
سوف يستمر التنافس بين اليابان والصين لاجتذاب دول جزر المحيط الهادئ إلى جانبها، فى سياق صراع النفوذ بين الدولتين فى هذه المنطقة، والذى سيأخذ العديد من السيناريوهات المستقبلية؛ إذ يمكن طرح السيناريوهات الثلاثة التالية:
• السيناريو الأول: يفترض هذا السيناريو تنامى دور ونفوذ اليابان فى منطقة جزر المحيط الهادئ، وهو ما يدفعها للعمل على زيادة الانخراط والتفاعل مع دول جزر المحيط الهادئ. فقد صرح رئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا، أمام القمة، بأن بلاده تعتزم العمل على ترقية علاقاتها المستقبلية مع دول جزر المحيط الهادئ إلى مستويات أعلى؛ ومما يعضد إمكانية تحقق هذا السيناريو؛ تأييد زعماء 18 دولة ومنطقة جزرية فى المحيط الهادئ لمزيد من الانخراط اليابانى فى تنمية المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك عقبات قد تحول دون تحقق مثل هذا السيناريو، ومنها: عدم التأييد الكامل من جانب هذه الدول لمبادرة منطقة المحيطيْن الهندى والهادئ الحرة والمفتوحة التى طرحتها اليابان. وكذلك قرار اليابان بإطلاق المياه المُشعّة المعالجة من محطة فوكوشيما دايتشى النووية فى المحيط الهادئ؛ إذ لم تحظ النتائج التى أعلنتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التزام خطة التفريغ بمعايير السلامة العالمية، بتأييد جميع دول جزر المحيط الهادئ.
• السيناريو الثانى: يتمحور هذا السيناريو حول اتجاه الدور الصينى فى منطقة جزر المحيط الهادئ نحو التزايد فى المستقبل، وذلك فى ضوء امتلاك الصين الإمكانات والقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية التى تساعدها على تحقيق أهدافها المختلفة فى سياق علاقاتها مع دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك بعض العوائق التى قد تعطل إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو، وعلى رأسها الإرادة السياسية فى هذه الدول، ولاسيما تحالفها مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا؛ ما يجعلها تتردد فى قبول أى دور متزايد للصين فى المستقبل؛ إذ تميل معظم الحكومات فى تلك الدول إلى التعاون مع الدول المجاورة أكثر من الصين.
• السيناريو الثالث: تبنى دول جزر المحيط الهادئ سياسة مُحايدة ترتكز على عدم الانحياز إلى اليابان أو الصين فى الصراع الدائر بينهما على النفوذ فى هذه الدول، ويُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحا.
وفى التقدير، يمكن القول إن الأهمية الاستراتيجية الكبرى التى تحظى بها دول ومناطق جزر المحيط الهادئ، تجعلها ساحة للتنافس بين اليابان والصين؛ إذ تسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذها ومكانتها فى هذه الدول؛ بما يؤدى إلى تحقيق المصالح الجوهرية للدولتين، فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. ورغم تعدد السيناريوهات المطروحة بشأن مستقبل التنافس اليابانى الصينى فى دول جزر المحيط الهادئ، ما بين زيادة نفوذ اليابان على حساب الصين، أو زيادة نفوذ بكين على حساب طوكيو؛ سيظل سيناريو تبنى هذه الدول سياسة محايدة الأكثر ترجيحا، فى ظل حرص دول جزر المحيط الهادئ على إيلاء الأولوية لمصالحها الوطنية، وهو ما بدا واضحا فى قمة (PALM10)، التى استضافتها اليابان مؤخرا.


مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

النص الأصلي

 

قضايا آسيوية قضايا آسيوية
التعليقات