ممانعة الشعوب وسلام الحكام - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ممانعة الشعوب وسلام الحكام

نشر فى : الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 10:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 10:17 ص

يؤكد كل مسئول أو خبير أمريكى ممن ألتقيهم بالعاصمة واشنطن وجود تقارب خليجى مع إسرائيل على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية وعدم الاعتراف بها، إلا أنهم يؤكدون كذلك أن الممانعة الشعبية الرافضة لقيام علاقات دبلوماسية بين عواصم خليجية وإسرائيل هى ما يمنع تلك الدول من الاجهار بطبيعة وعمق هذه العلاقات. ولا يتغير الحال مع دول تعترف بإسرائيل وتربطها رسميا معاهدات سلام بها، فمصر التى بدأت عملية الاعتراف بإسرائيل وأقامت علاقات دبلوماسية عقب توقيع معاهدة السلام عام 1979، وكذلك الأردن التى وقعت على معاهدة سلام عام 1994، لا تتمتع معاهدات السلام فيهما بأى دعم شعبى رغم الجهود الحكومية الواسعة لفرض سياسة الأمر الواقع. ويستعصى على العقلية الأمريكية البراجماتية تفهم كيف لشعوب انهزمت عسكريا، واُحتلت أراضيها، ووافقت نخبها الحاكمة على واقع جديد، أن تظل رافضة لهذا الوضع الجديد. وتنظر العقلية الأمريكية لتجربة هزيمة ألمانيا واليابان فى الحرب العالمية الثانية كنموذج عندما تحالفت الدولتان مع أمريكا (العدو القديم) وتقبلت شعوب هذه الدول ونخبها الواقع الجديد بكل ترحاب.
***
ويتحدث الجميع فى واشنطن عن الاطار الجديد الذى يجمع دولا خليجية بإسرائيل، فمراكز الابحاث المختلفة والصحف الأمريكية، ناهيك عن المسئولين الرسميين، تتعامل مع هذا الاطار كواقع جديد. وخلال جلسة نقاش عقدت الأسبوع الماضى بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، تحدث نيكولاس بيرنز، الاستاذ بجامعة هارفارد، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكى للشئون السياسية، عن عمق المصالح التى تجمع دولا خليجية بإسرائيل بسبب تبعات الربيع العربى والاتفاق النووى مع إيران. وقال «إن دولا خليجية تتشاور وتستشير إسرائيل باستمرار، إلا أنه وبسبب الرأى العام المحلى لا يستطيعون الافصاح عن هذه العلاقات».
وقبل أسابيع جمع مجلس العلاقات الخارجية بين مسئول إسرائيلى رفيع هو دور جولد، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، واللواء السعودى المتقاعد أنور عشقى، الذى يرأس حاليا مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة. وتحدث عشقى عن مشاكل الشرق الأوسط وعن ضرورة دمج إسرائيل فى منظومة مواجهة التحديات المشتركة مثل خطر الإرهاب والخطر الإيرانى. وكذلك كشف تقرير نشره موقع «هافنجتون بوست» أن السفير الإماراتى فى واشنطن يوسف العتيبة يقيم علاقات ودية وثيقة مع السفير الإسرائيلى رون ديرمر. وينقل التقرير عن مسئول أمريكى قوله إن «العتيبة والسفير الإسرائيلى رون ديرمر وثيقا الصلة جدا، إنهما متوافقان تقريبا فى كل شىء، سوى فيما يتعلق بالفلسطينيين». كذلك أكد مسئول رفيع المستوى فى السفارة الإسرائيلية لكاتب التقرير قيمة هذا التحالف الاستراتيجى قائلا «أن يقف إسرائيل والعرب معا لهو المكسب الأكبر الذى يصبو إليه المرء. فهذا الأمر يخرجنا من السياسة ومن الأيديولوجيا. عندما تقف إسرائيل والدول العربية معا، فإن ذلك مصدر قوة لنا». ويشير تقرير «هافنجتون بوست» إلى أن السفير الإسرائيلى ديرمر دعا العتيبة لحضور خطاب نتنياهو حول إيران فى الكونجرس، إلا أن العتيبة اعتذر بسبب الحساسيات السياسية فى بلده.
***
كشف استطلاع للرأى نشر يوم الأربعاء الماضى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» أن إسرائيل جاءت فى المرتبة الأولى بين الدول التى يعتبرها المصريون دولا عدوة، وهذا مفهوم ومتوقع. ولا تخرج الممانعة الشعبية العربية للضغوط المطالبة بتعميق العلاقات مع إسرائيل من فراغ، فالسياسات الإسرائيلية العنصرية والدموية والظالمة تجاه الفلسطينيين لا تترك لهم أى بديل آخر. وربما كانت المصادمات فى باحة المسجد الأقصى بالقدس منذ أيام دليلا إضافيا على عدم اكتراث لإسرائيل بالسلام مع الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين. ورغم ذلك لا تتوقف نداءات حكام ومسئولين عرب بضرورة توسع عملية السلام مع إسرائيل لتضم دولا أخرى غير مصر والأردن. إلا أن خبرة العقود الأخيرة تقف حائلا أمام هذه الضغوط. فعلى الرغم من معاهدات سلام وقعت قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود كاملة فى الحالة المصرية وعقدين فى الحالة الأردنية، إلا أنها لم تتحول من «معاهدات سلام بين حكومات» إلى «معاهدة سلام بين شعوب»، وذلك وسط رفض شعبى عريض للتطبيع مع نظيره الإسرائيلى، ربما يكون الاستثناء ستمثل فى فئة ضالة من رجال الأعمال المصريين والأردنيين أغوتهم اتفاقية الكويز.
***
ويتعلق بسلام الحكام تزايد الدعوات فى العاصمة الأمريكية لبث الحياة وتفعيل «مبادرة السلام العربية» التى خرجت للنور فى اجتماع للقمة العربية عام 2002 على يد ملك السعودية السابق عبدالله بن عبدالعزيز، والتى هدفت لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، مع عودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب كامل من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع عربى بإسرائيل. وتقول هذه الأصوات إن أى حديث عن عودة الجولان الآن يعد مضيعة للوقت، وأن الجانب الفلسطينى ذاته منقسم بين فتح وحماس، لذا ستكون السلطة الفلسطينية نفسها منفتحة على أفكار جديدة لا تلبى كل ما نادت به المبادرة العربية. من جانبهم توقف معظم الحكام العرب، عن ذكر أى شىء يتعلق بضرورة وقف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية أو حق العودة للفلسطينيين أو حتى مستقبل القدس مع استمرار مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية المتكرر.
فى نفس الوقت تنشغل واشنطن ومن قبلها تل أبيب ومن ورائهم عواصم عربية فى الحديث عن تفاصيل مختلفة تبتعد بالصراع عن أصله، وتستبعد الحديث عن جوهره، ألا وهو «الاحتلال»، يحاول حكام العرب المناورة حول رغبات شعوبهم الحقيقية فى سلام عادل يأتى للفلسطينيين بدولة حقيقية. ولا تتوقف الجهود والمحاولات كى تنسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب أصل الصراع، وهو ما يعنى مساهمة حكام عرب فى إنجاح استراتيجية إسرائيل بإقناع العرب أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية».

اقتباس
على الرغم من معاهدات سلام وقعت قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود كاملة فى الحالة المصرية وعقدين فى الحالة الأردنية، إلا أنها لم تتحول من «معاهدات سلام بين حكومات» إلى «معاهدة سلام بين شعوب».

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات