هل تهدد الصين العرش الأمريكى فى 2014 ؟ - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تهدد الصين العرش الأمريكى فى 2014 ؟

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2014 - 9:10 ص

شهد شهر ديسمبر المنتهى علامات متزايدة على صعود النفوذ الصينى. ففى خطوة طال انتظارها حققت الصين خطوة مهمة فى برنامجها الفضائى مع إطلاق أول مكوك يحمل حيوانا إلى القمر، وهو خطوة لإرسال أول رائد فضاء صينى للقمر خلال أعوام قليلة، وذلك بهدف إجراء اختبارات جيولوجية والبحث عن موارد طبيعية.

وقبل ذلك بأسابيع قليلة أعلنت بكين من جانب واحد لمنطقة دفاع جوى فى بحر شرق الصين، وهو ما أثار احتجاجات إقليمية وأمريكية واسعة، إلا أن الصين لم تعرها أى اهتمام. ويقول فريد زكريا المعلق الصحفى الشهير فى مجلة تايم، إن بروز الصين كقوة عظمى لم يعد توقعات وإنما هو حقيقة، فالصين حاليا تتمتع بأحد أسرع معدل نمو اقتصادى عالمى كما أنها ثانى أكبر مالك لاحتياطى العملات الأجنبية وبشكل رئيسى للدولار فى العالم.

ويضيف زكريا أن الصين تمتلك أكبر جيش فى العالم يبلغ تعداده 2.5 مليون جندى ورابع أكبر ميزانية للدفاع تزيد سنويا بمقدار 10 بالمائة. وقبل ذلك أكدت مؤسسة جولدمان ساكس الأمريكية المرموقة أن الاقتصاد الصينى سيحل محل الاقتصاد الأمريكى كأكبر اقتصادات العالم بحلول عام 2027. بالطبع هناك دلالات واضحة على أن مكانة الصين الدولية تزداد قوة كل يوم، مع حرص صينى على أن تلعب بكين دورا عالميا متزايدا. وكان من ثمار هذا الحرص أن أصبحت الصين الشريك التجارى الأول لكل دول أفريقيا جنوب الصحراء، والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. وتعتبر الصين أكبر ثالث شريك تجارى لأمريكا، إذ صدرت للولايات المتحدة منتجات عام 2013 تقدر بـ 430 مليار دولار، فى حين صدرت الولايات المتحدة للصين منتجات تقدر بـ 115 مليار دولار فقط.

كما أن السلطات الصينية تعتبر ثانى أكبر دائن رسمى للولايات المتحدة، حيث يوجد على الأراضى الصينية مئات المليارات من الأصول المالية الأمريكية. وفى المقابل، تعتبر الولايات المتحدة أهم شريك تجارى ثنائى للصين ومصدرا مهما للاستثمار وتصدير التكنولوجيا.

•••

والصين تزداد يوما بعد يوم تعقيدا وتناقضا، فالصورة التاريخية عن الأمة الصينية ذات التكون السياسى الواحد باتت من الماضى. ولدى الصين قلق متنام مما يسببه نموها الكبير والمستمر منذ ثلاثين عاما بمتوسط بلغ 10 % سنويا. والتلوث البيئى والصناعى يسبب الكثير من الأمراض المستعصية، وهناك أزمة فى قلة مياه الشرب النظيفة، ناهيك عن النتائج الخطيرة لسياسة الابن الواحد، والتى ستسمح بوجود أمة أغلبها من المسنين فى المستقبل القريب. اليوم هناك أكثر من صين! هناك الريف والحضر، وهناك الثروة والفقر، والتعليم والأمية، والدولية والانعزالية، كل هذا التنوع والتفاوت يحدث فى خضم حراك اجتماعى داخلى كبير، لا يراه قادة العالم، وإن رآه فلن يفهمه.

وما يحدث مع الصين اليوم حدث سابقا فى حالة دول أخرى، ففى عام 1960 اشتكى الرئيس الأمريكى حينذاك جون كيندى أن «القوة الأمريكية تتقلص أمام الاتحاد السوفييتى، وأن الشيوعية تتقدم بسرعة كبيرة فى كل أركان العالم». وفى عام 1979، اشتهر كتاب أستاذ جامعة هارفارد الشهير، إيزرا فوجيل، بعنوان «اليابان رقم واحد: دروس يمكن الاستفادة منها»، لتزيد الفزع من النجاحات التكنولوجية والصناعية لليابان خلال سنوات سبعينيات القرن الماضى خاصة مع ما واكبه هذا النمو من حمى شراء يابانية فى الأسواق الأمريكية.

•••

من المبكر للغاية الحديث عن قيادة الصين للعالم أو توجيه بوصلة الشئون الدولية فى أى مستقبل قريب. ففى الوقت الذى مازالت الجامعات الأمريكية تحتفظ بمسافة طويلة جدا تبعدها عن أى منافسة حقيقية مع أى من نظيراتها حول العالم، وطبقا لترتيب أفضل جامعات العالم الذى تجريه جامعة شنغهاى الصينية، كان نصيب الولايات المتحدة 17 من بين أهم 20 جامعة حول العالم. 65% من طلاب الماجستير والدكتوراه فى مجالات العلوم والرياضيات فى أكبر جامعات الولايات المتحدة هم من غير الأمريكيين، إلا أن الأغلبية العظمى منهم تختار أن تستكمل حياتها فى أمريكا، ومن ثم يكون خير علمهم عائدا للولايات المتحدة أولا. كما أن طريقة الحياة الأمريكية يتم استنساخها حول العالم بسرعة مكوكية، ناهيك عن السينما واللغة الانجليزية وسحرها حول العالم، ومقارنة باللغة المهددة لعرشها، وهى اللغة الصينية.

الفجوة بين الدولتين ما زالت واسعة للغاية، فقد أشارت مجلة الإيكونوميست فى عددها السنوى لعام 2014 أن الناتج القومى الصينى سينمو بمعدل يصل إلى 7.3% خلال هذا العام مقابل 2.6 % للولايات المتحدة. وسيصل نصيب الفرد من الدخل القومى 7740 دولارا سنويا مقابل 54920 للفرد فى الولايات المتحدة، وسيصل عدد السكان إلى 1.34 مليار نسمة، مقابل 318 مليون لأمريكا.

ويتوقع لعام 2014 أن يشهد تحسنا كبيرا فى بيانات الاقتصاد الأمريكى، وسيضغط موعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى الخريف القادم على كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى للتوصل لحلول مقبولة فيما يتعلق بقضايا الميزانية الأمريكية والدين الحكومى. ذلك فى وقت ستشهد فيه الصين بطأ فى معدلات نموها مقارنة بالسنوات الماضية خاصة مع وصول جيل من الحكام الجديد ممن يؤمنون بضرورة التركيز على الفوائد البسيطة لمصلحة المواطن الصينى العادى وليس المؤسسات الاقتصادية الضخمة بالضرورة.

•••

دأب الأمريكيون على الايمان أن بلادهم لا غنى عنها فى إقامة علاقات سياسية مستقرة حول العالم». ويذكر الصحفى المعروف مايكل هيرش فى كتابه «فى حرب مع أنفسنا» أن دور أمريكا فى العالم «أعظم هدية تلقاها العالم طيلة التاريخ البشرى». لذا لا غرابة فى أن يرى معظم الأمريكيين بلدهم قوة ذات تأثير إيجابى طاغ على المسرح الدولى، وأنهم دولة استثناء فى التاريخ. إلا أن الإدارة الحالية قد بدأت فى أن تكون أكثر فاعلية بتخلص باراك أوباما من الاعتقاد بالاستثناء الأمريكى، وإيمانه أن الخصوصية الأمريكية فى جوهرها ليست شيئا فريدا فى حد ذاته، مثلها مثل وجود خصوصية صينية أو خصوصية مصرية.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات