لا يكفى أن نقرأ خطاب الرئيس الأمريكى الذى يلقيه فى شهر يناير من كل عام تحت عنوان حال الاتحاد، لنعرف حال أمريكا ولنتعرف على خريطة الطريق التى رسمها الرئيس لعام مقبل. ولا يكفى أن نسمعه، رغم ان فى الاستماع إلى رئيس من نوع أوباما فوائد كثيرة، ليس أقلها أهمية الاستمتاع برصانة الكلمات وروعة الصياغة وحسن الإلقاء. لا يكفى أن نقرأ ونسمع ولكن يجب على من يريد أن يعرف أكثر أن يضيف المشاهدة إلى القراءة والاستماع، فمن اجتماع هذه الشروط الثلاثة خرجت أنا شخصيا بملاحظات ومعلومات عن حال أمريكا الراهن ألخص كل ملاحظة أو معلومة منها فى جملة أو جملتين.
(1) ما زالت أمريكا تعيش أجواء حرب وحال توتر وطوارئ لم تعرف نظيرا لهما قبل عام 2001.
(2) نصف أعضاء الكونجرس بمجلسيه لم يتحمسوا لعبارة وردت فى الخطاب عن ضرورة العمل على تحسين أحوال الفقراء فى المجتمع الأمريكى، وبخاصة قوله إنه يجب «ألا نسمح بأن ينشأ الأطفال فى ظروف فقر». ما لا يعرفه كثيرون فى أمريكا وخارجها هو أن حوالى نصف الأعضاء من أصحاب الملايين.
(3) الحد الأدنى من الأجور المعمول به حاليا فى أمريكا هو فى الحقيقة أدنى من الحد الأدنى للأجور المعمول به فى عهد الرئيس رونالد ريجان، أى قبل أكثر من ثلاثين عاما.
(4) أكثر من نصف الأعضاء الديمقراطيين، أى من حزب الرئيس أوباما، معترضون على معظم سياساته، مثل تسليم أفغانستان إلى طالبان إذا تعذر الوصول إلى حل مع كرزاى، ومثل التوافق مع إيران، ومثل التوسع فى عقد اتفاقات تجارة حرة، هذه الاتفاقات التى أدت فى السابق إلى إغلاق مصانع عديدة وإفلاس مدن كبرى وتشريد عمال وتخفيض الأجور.
(5) أخطر ما يهدد أمن الولايات المتحدة، وربما أمن وسلامة العالم، هو الاتساع المتوالى فى الفجوة فى الدخول بين الأغنياء والفقراء. وأخطر أسباب هذه الفجوة هو «العولمة» وتوحش النظام الرأسمالى فى العقود الأخيرة.
(6) نسبة كبيرة من الجمهوريين وعدد كبير، وإن متناقصا، من الديمقراطيين يرفض سياسة أوباما الراهنة تجاه إيران، وبخاصة الرفع التدريجى للعقوبات، بينما يعتبر أوباما سياسته تجاه إيران نموذجا لسياسة أوسع تقوم على أساس مبدأ صاغه والتزم به الرئيس وتلخص مضمونه العبارة الآتية «من أجل أمن بلادنا يجب أن نعطى الدبلوماسية فرصة».
(7) «تصدعت السياسة فى أمريكا». فقد صارت السمة الأهم لحال العمل السياسى فى أمريكا هى الشرخ المتزايد الاتساع بين الكونجرس ومؤسسة الرئاسة، والاقتناع شبه الكامل لدى الرأى العام بأن الكونجرس الراهن أسوأ كونجرس أمريكى منذ خمسين عاما، وان أوباما محق فى وقفته الشجاعة ضد الكونجرس الحالى، وبخاصة حين هدد بأنه لن يسمح للكونجرس تحت أى ظرف بفرض عقوبات أو حصار على إيران.
(8) كان لافتا للنظر تعمد الرئيس أوباما فى خطابه إبداء عدم الاهتمام بتطورات الأزمة فى مصر والتوتر القائم فى الشرق الأقصى بين الصين واليابان.
(9) كشفت اللحظات الأخيرة من إلقاء أوباما لخطابه عن مدى التدهور الذى تدنت إليه شعبية الرئيس والكونجرس معا. مرة أخرى يلجأ رئيس أمريكا والكونجرس إلى استدرار عطف الرأى العام. لجأ الاثنان هذه المرة إلى الجندى روزنبرج الذى فقد قدما وعينا فى حرب أفغانستان وأجرى عشر عمليات جراحية، ليجلس إلى جانب السيدة الأولى ميتشيل أوباما مرتديا لباسه العسكرى ونياشينه العديدة، فيذرف الأعضاء الدموع وتكتسى وجوه الرئيس ونائبه ورئيس مجلس النواب بالحزن، كل هؤلاء عاشوا لحظة أمل أن ينتهى اليوم والرأى العام متعاطف مع جيشه وحكومته ونوابه ومنبهر بنبل وتضحيات أبناء وبنات الأمة