لماذا يشكل احتمال امتلاك إيران سلاحا نوويا خطرا على السلام العالمى، ولا يشكل امتلاك إسرائيل فعليا للسلاح النووى أى قلق على السلام العالمى؟
لماذا القنبلة النووىة بيد «دولة يهودية» تعتبر أساسا للاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط، ولماذا سعى «دولة إسلامية» لإنتاج القنبلة النووىة يعتبر أساسا لكل قلق واضطراب وعدم استقرار؟
لماذا يفجر الإعلام الدولى زوابع فى وجه «الخطر النووى» الإيرانى المحتمل ويصمت كليا عن «الأمن النووى» الإسرائيلى؟. لماذا السلاح النووى خطر إذا كان بيد إيران وأمن عندما يكون بيد إسرائيل؟.
إن الإجابة الأوسع انتشارا على هذه التساؤلات تقوم على أساس ان إسرائيل دولة ديمقراطية، وأن إيران دولة أوتوقراطية مستبدة.
وتبنى على هذه الإجابة منظومة فكرية تقول إن فى الدول الديمقراطية ضوابط تحول دون استخدام السلاح النووى، أما فى الدول المستبدة فإن كل القرارات تتوقف على مزاج رجل واحد. وهو فى الحالة الإيرانية الإمام الخامنئى.
ولإثبات هذه النظرية فإن الإنسانية منيت فى القرن العشرين المنصرم بأفجع الكوارث لأنها خضعت لأنظمة استبدادية: ستالين فى روسيا. هتلر فى ألمانيا. موسولينى فى إيطاليا. ماوتسى تونج فى الصين. ولقد ذهب ضحية القرارات المنفردة التى اتخذها هؤلاء الحكام أكثر من مائة مليون إنسان.
وتذهب هذه النظرية إلى القول إنه لو أن الاتحاد السوفييتى وألمانيا والصين وايطاليا عرفت أنظمة ديمقراطية، لما عرف العالم تلك الفواجع ولسلمت الإنسانية من الكوارث التى عانت منها طويلا.
ظاهريا، يبدو هذا المنطق سليما. ولكن لابد من التساؤل: من الذى أطلق أول قنبلة فى تاريخ الإنسانية على مدينة هيروشيما فى اليابان؟ وثانى قنبلة على مدينة ناكازاكى؟ ألم يكن ترومان رئيس أكبر دولة ديمقراطية فى العالم؟ ومن أعطى الأوامر بقصف مدينة درسدن فى ألمانيا وتدميرها بالكامل على كل من فيها وما فيها؟ ألم يكن ترومان نفسه وونستون تشرشل رئيس حكومة أهم دولة ديمقراطية فى ذلك الوقت؟
ثم ألم تبادر إسرائيل التى تصفها الولايات المتحدة وأوروبا بأنها واحة للديمقراطية فى الشرق الأوسط، إلى استخدام السلاح النووى ضد مصر وسوريا فى عام 1973 بعد هزيمتها فى كل من سيناء والجولان؟.. ألم تضغط الولايات المتحدة عليها ـ بعد التهديد السوفييتى ـ لمنعها من استخدام السلاح النووى مقابل الجسر الجوى الأمريكى الذى زودها بأحدث نواع الأسلحة والمعدات القتالية التى قلبت موازين القوى فى سيناء رأسا على عقب؟
●●●
لم يستخدم الاتحاد السوفييتى السابق، الذى كان يخضع لنظام الحزب الشمولى الواحد، السلاح النووى رغم الظروف الصعبة التى مرّ بها. ولم يكن جورباتشوف الذى عقد مع الرئيس الأمريكى رونالد ريجان معاهدة ريكجافيك ـ إيسلندة للحد من انتشار الأسلحة النووىة رئيسا ديمقراطيا. وحتى اليوم لم يعرف الكرملين رئيسا ديمقراطيا بالمواصفات الغربية للديمقراطية، إلا أن البيت الأبيض وليس الكرملين هو من أمر باستخدام السلاح النووى.
ثم إن الصين التى أذهلت العالم بنموها الاقتصادى السريع، أصبحت الآن تملك ترسانة نووية يقدر حجمها بحوالى الأربعة آلاف رأس. ولقد أقامت نفقا تحت الأرض محصنا ضد القصف النووى، ويبلغ طوله ثلاثة كيلومترات، لتخزين سلاحها النووى والمحافظة عليه. وربما يصبح هذا النفق أكثر شهرة من جدار الصين ذاته!!
ويضم النادى النووى الشرعى إلى جانب الصين والولايات المتحدة وروسيا، كلا من فرنسا وبريطانيا. أما النادى النووى غير الشرعى ولكن المعترف به فيضم الهند والباكستان. وهناك ناد غير شرعى وغير معترف به، يضم إسرائيل وكوريا الشمالية على ما بينهما من تباين سياسى. إلا أنهما يتشابهان من حيث أن كوريا الشمالية محاطة بدول معادية لها، وكذلك إسرائيل.
والعامل الفعال فى عملية اتخاذ القرار باستخدام السلاح النووى لا يتوقف على نوعية النظام السياسى، ولكنه يتوقف على طبيعة تطور الصراع مع هؤلاء الأعداء.
ومن بين دول العالم التى يبلغ عددها 194 دولة فإن الدول التى يعتقد أنها تفتقر إلى الحد الأدنى من الضوابط التى يفرضها القانون الدولى لا يزيد على 47 دولة فقط. ولكن ليس بينها دولة واحدة تملك سلاحا نوويا أو تسعى لامتلاكه باستثناء إيران. ولذلك فان الضغوط العالمية تنصب عليها من كل حدب وصوب.
ترى لو أن إيران تحولت من دولة أوتوقراطية إلى دولة ديمقراطية، هل كان العالم يسمح لها بالسعى لإنتاج سلاح نووى؟ هناك ثلاث دول نووية فى العالم تتأثر بسياساتها ببعد دينى ما، وهذه الدول هى باكستان (إسلاميا) والهند (هندوسيا) وإسرائيل (يهوديا) ؛ يضاف إلى هذه الدول، دولة واحدة هى كوريا الشمالية التى تتأثر سياستها ببعد عقائدى شيوعى (لا دينى). ولكن لم تبادر أى من هذه الدول إلى استخدام السلاح النووى باستثناء إسرائيل التى وضعت آليتها العسكرية النووىة فى حالة استنفار فى عام 1973. فرغم الصراع الباكستانى ـ الهندى، والصراع الكورى الشمالى مع الكورى الجنوبى فإن السلاح النووى لم يشكل أى تهديد، ولم يطرح كأداة ضغط محتملة. علما بأن الباكستان ليست دولة ديمقراطية، وبأن كوريا الشمالية هى أبعد ما تكون عن الديمقراطية، فى حين تصنف إسرائيل نفسها، ويصنفها العالم الغربى بأنها منارة للديمقراطية؟!.
●●●
من هنا السؤال: هل أن إنقاذ العالم من الخطر النووى يمكن تحقيقه بتصفية الترسانات النووىة.. أو بالإطاحة بالأنظمة اللاديمقراطية؟
لا يوجد اتفاق على جواب واحد. فمن جهة أولى فان التجربة الوحيدة الناجة لتصفية ترسانة نووية جرت فى جنوب أفريقيا عشية انتقالها من النظام العنصرى ـ الأبارتيد ـ إلى النظام الديمقراطى الحالى. ومن جهة ثانية هناك تجارب ناجحة عديدة أطاحت بأنظمة استبدادية ـ أوتوقراطية فى العالم، وخاصة فى أمريكا اللاتينية وشرق آسيا. كذلك هناك تجربة تخفيض حجم التسلح النووى لدى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسى. ولكن هذا التخفيض المتبادل تناول الكم وليس النوع. فتخفيض عدد الرءوس النووىة لدى كل من القوتين النووىتين ترافق مع تطوير نوعى بإنتاج قنابل تتمتع بقوة تدميرية أكبر (القنبلة الهيدروجينية مثلا والقنبلة الفراغية وسواهما).
واليوم يرفع الرئيس الأمريكى باراك أوباما شعارا جذابا يقول بعالم خال من السلاح النووى.. ولكن كيف؟.. والموازنة الحربية الأمريكية فى تضخم رغم الأزمة المالية ـ الاقتصادية التى تعانى منها الولايات المتحدة؟ ثم إن إقامة قواعد للصواريخ الاستراتيجية المحملة برءوس نووية فى تشيكيا وبولندا لا يشجع روسيا على تخفيض ترسانتها النووىة أو تصديق الشعار الذى يطلقه الرئيس أوباما.
وعندما يقول الرئيس الأمريكى بالديمقراطية وبوجوب نشرها وترسيخها فى المجتمعات المختلفة فى العالم، فإنه يقول بعالم خال من الديكتاتورية، وتاليا بعالم مسلح نوويا حتى الأسنان، ولكن «الضوابط الديمقراطية» توفر غطاء الأمان اللازم. وهو غطاء وهمى كما أثبت السلوك الأمريكى ذاته فى نهاية الحرب العالمية الثانية فى اليابان.