بعد ساعة واحدة من تكليف المهندس ابراهيم محلب برئاسة الحكومة خلفا للدكتور الببلاوى، امتلأ الفيس بوك بتعليقات وأخبار وأكاذيب عن رئيس الحكومة المستقيل وخليفته، كما احتشد «الفضائيون» يحللون ويرصدون ويتوقعون، متقافزين ببراعتهم المعتادة بين الشاشات، يلوكون العبارات ذاتها بلا سأم، وقد سبقت بعضهم التعريفات التى حصلوا عليها بوضع اليد، وبحكم مشاركاتهم «المضنية» فى ملء ساعات الإرسال الطويلة منذ 25 يناير 2011 وحتى اليوم، فهم خبراء ومحللون واستراتيجيون، أو «نشطاء» حين يعز الوصف والتوصيف.
الصورة النهائية التى تخرج بها مما تقرأ وتسمع أنه «مفيش فايدة»، وأن البلد رايحة فى ستين داهية، لأن الببلاوى ومحلب لصوص ومن بقايا النظام القديم وأياديهم مرتعشة، وغير قادرين على الابتكار «والتفكير خارج الصندوق»، وهى عبارة شاعت دون أن يقدم لنا أصحابها فكرة واحدة من خارج الصندوق، اللهم إلا السخرية والفذلكة والتغريد على تويتر وفيس بوك.
لن أدافع عن الببلاوى ومحلب، ورأيى الذى لن أزيد عليه، أن كل شخص يقبل أن يكون مسئولا فى هذه الفترة بالغة الحرج والتعقيد يستحق المساندة، ما لم يمارس فسادا أو ينتهك القانون أو «يعمل لحساب جماعته»، وأظن أن حكومة الببلاوى تستحق الشكر لا التقريع، ويبقى تقصيرها واردا فى هذه المرحلة الصعبة، أما محلب فأدعو له بالتوفيق فى مهمته.
بديلا للسخرية ومشاعر الإحباط التى تنشرها جمهورية الفيس بوك، وبدلا من حكايات البقدونس والكفتة والبطيخ، والانغماس فى الماضى عوضا عن المستقبل، عندى عناوين قضايا تصلح للنقاش، وتحتاج فعلا أفكارا من خارج الصندوق...
عدد سكان مصر وصل إلى 94 مليون نسمة، بزيادة خمسة ملايين خلال ثلاث سنوات، وسنصل إلى 100 مليون خلال عامين أو ثلاثة، كيف يمكن التعامل مع هذه الزيادة المستمرة فى السكان، والتى يقابلها تراجع فى الموارد؟
حصتنا من المياه مع بناء سد النهضة ستنخفض بمقدار 15 مليار متر مكعب، بما يعنى وقوعنا فى براثن حالة مريعة من الفقر المائى، وما يترتب عليها من تأثير مباشر على الزراعة والكهرباء، يعنى عطشا وجوعا وظلاما، وقد يترتب على ماسبق دخول مصر فى حرب دفاعا عن حصتها من المياه، فكر قليلا: كيف سندخل حربا وبيننا من يهاجمون الجيش ويخططون لتفكيكه، ويجرونه لمواجهات فى سيناء وغيرها،ويواصلون هتافهم البذىء «يسقط حكم العسكر»؟
فى مصر أكثر من ثلاثة ملايين طفل شوارع ارتكبوا أكثر من 18 ألف جنحة وجناية فى العام السابق وحده، كما أن أكثر من 17 مليون مواطن يعيشون فى العشوائيات، 20% منهم فى القاهرة وحدها، هل تحتاج إلى تذكيرك بالقول المأثور «العشوائيات قنبلة موقوتة»؟ بين كل 2 موظفين يعملون فى مصر، يوجد 5 يعطلونهم عن أداء عملهم، وثمانية لا يبالون بالأمر كله، يعنى: بين كل 15 موظفا اثنان فقط يعملان.. تقرير رسمى دولى.
هذه مجرد عينة، وكلها بالمناسبة تهدد وجودنا فى الصميم، وأظن أن المصارحة بشأنها واجبة، كما أظن أن أى مرشح للرئاسة مطالب بأن يقدم لنا تصوراته لمواجهتها، جنبا إلى جنب خططه للنهوض بالتعليم والصحة وغيرها.
لا بديل عن المشاركة، صيغة الزعيم الأب أو الدولة الأم لن تجدى، كما أن «الشعب يريد»، لا تعنى مواصلة الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات والتهجيص على مواقع التواصل الاجتماعى للأبد.
إما أن نبدأ العمل «معا» أو نواصل المكلمة.