العلاقات مع إيران.. ما لها وما عليها - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقات مع إيران.. ما لها وما عليها

نشر فى : الجمعة 3 أبريل 2009 - 6:05 م | آخر تحديث : الجمعة 3 أبريل 2009 - 6:05 م

 تعرض عدد من المحللين أخيرا إلى موضوع العلاقات مع إيران، كما كثر الحديث عن احتمال دعوة قطر الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد لحضور القمة العربية فى الدوحة فى آخر شهر مارس بصفة مراقب.

لذلك فمن المفيد التعرض إلى تطور مهم يجرى حاليا على ساحة العلاقات الأمريكية الإيرانية سيكون له ولا شك انعكاساته الإقليمية والدولية.

ففى شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى يوم 3 مارس 2009، وصف ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى إيران بأنها تُعد واحدة من أكثر الدول تأثيرا على الأوضاع فى الشرق الأوسط بمفهومه الواسع. وأوضح هاس لأعضاء اللجنة أن إيران قد تحقق لها كسب ضخم بسقوط نظام صدام حسين وتولى حكومة تحت قيادة شيعية الحكم فى بغداد.

وأضاف أن إيران قد غنمت الكثير أيضا من إزاحة طالبان عن الحكم فى أفغانستان. ويواصل هاس كلامه بالقول بأن صعود تيار الإسلام السياسى المتمثل فى حزب الله وحماس قد أمدّ إيران بوسائل إضافية تمكنها من التأثير على مجريات الأمور فى المنطقة.

ثم يعترف الشاهد بوجود خلافات جوهرية بين الولايات المتحدة وإيران أهمها الموقف من إسرائيل، والانتشار النووى، والإرهاب، إلا أنه يعتقد فى الوقت نفسه بوجود العديد من نقاط الالتقاء بين البلدين وبصفة خاصة اتفاقهما على عدم السماح بعودة نظام طالبان إلى أفغانستان وكذلك عدم القبول بتحول العراق إلى دولة فاشلة.

ويخلص هاس من ذلك إلى اقتراح أن تتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع إيران على المستوى الرسمى، وتتفاوض معها من خلال مسارين، الأول متعدد الأطراف ويتناول الملف النووى، والآخر ثنائى يتناول أفغانستان، والعراق، والأمن الإقليمى، والإرهاب، ودعمها لحزب الله وحماس.

ولم يتأخر أوباما كثيرا فى الأخذ بالتوصيات السابقة حيث وجه رسالة يوم 20 مارس 2009 إلى كل من «القيادة الإيرانية» و«الشعب الإيرانى» فى «جمهورية إيران الإسلامية» بمناسبة عيد النيروز. وحملت هذه الرسالة الكثير من المعانى والدلالات.

فأوباما فى الوقت الذى وجه فيه الرسالة إلى الشعب، لم يتجاهل القيادة الإيرانية كما كانت تفعل إدارة بوش السابقة كما حرص على استخدام المسمى الرسمى لإيران «كجمهورية إسلامية» الذى تفادت الإدارة السابقة استخدامه.

وأكد أوباما فى رسالته هذه على أن إدارته ملتزمة بالدبلوماسية فى معالجة مختلف القضايا، وأنها تسعى لعلاقات بناءة بينها وبين إيران والمجتمع الدولى. والتحفظ الوحيد الذى أورده أوباما تمثل فى دعوته إلى إيران بأن تحتل مكانها الذى تستحقه فى المجتمع الدولى عن غير طريق الترويع أو السلاح.

وطبيعى أن أوباما لم ينطلق فى هذا من فراغ، فقد جرت لقاءات عديدة فى السابق بين سفيرى أمريكا وإيران فى بغداد فى مجال السعى لتحقيق الاستقرار فى العراق. وتم إشراك إيران منذ اليوم الأول لسقوط طالبان فى لقاء متعدد الأطراف لبحث مستقبل أفغانستان، كما دُعيت أخيرا لاجتماع دولى يعقد فى لاهاى لبحث الاستراتيجية المقبلة فى أفغانستان.

أما سبب حرص أمريكا على أن تلعب إيران دورا أكبر فى أفغانستان، فوضح من اعتراف أوباما بأن الموقف فى أفغانستان يزداد خطورة، سواء بتزايد الهجمات على القوات الأمريكية أو استمرار تهديدات القاعدة ويبدو أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى قناعة بأن إيران مؤهلة أكثر من غيرها للانخراط بشكل أكبر فى الشأن الأفغانى، حكم الجوار، وعداوتها المتأصلة تجاه طالبان، وخبرة إيران فى عملية التنمية فى أفغانستان حيث تقوم بتنفيذ مشروعات مهمة مثل مد الطرق والسكك الحديدية.

وعلى الرغم من أن أوباما قد أعلن عن زيادة فى عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان، فإنه تحدث عن ضرورة الاهتمام بعملية تدريب القوات والتوسع فى مشروعات التنمية فى أفغانستان. بل سبق له أن تحدث عن ضرورة وجود استراتيجية للخروج من أفغانستان Exit strategy عندما تسمح الظروف بذلك.

وأوضح أن المصلحة الأمريكية تملى عليها التعامل مع إيران بالنسبة للكثير من القضايا، وهذا من حقها، إنما المهم ألا يتم ذلك على حساب المصالح العربية. غير أن التمسك بهذا المبدأ لا يكفى فى حد ذاته إذ لابد من وجود مشروع قومى تتضافر حوله دول عربية مؤثرة يستهدف المحافظة على مصالحها ولا يمنح إيران ترف ملء الفراغ فى العراق تارة وفى أفغانستان تارة أخرى، أو فى جنوب لبنان مرة وفى غزة مرة أخرى.

يقودنا هذا إلى موضوع العلاقات المصرية الإيرانية. فهناك ولا شك قدر كبير من الموضوعات الشائكة والقضايا الخلافية بين البلدين. غير أنه لا يمكن التوقف كثيرا عند موضوع قيام إيران فى لحظة معينة بإطلاق مسمى استفزازى على أحد شوارع طهران، أو عرض فيلم مسىء فى التليفزيون، فهناك قضايا أكبر وأعظم أثرا.

كما لا يمكن تصديق مقولة أن العلاقات مع إيران سيترتب عليها «تَشَيُع» جمهور غفير من الشعب المصرى. مثل هذا الكلام يُغفل حقيقة أن الفاطميين جاءوا إلى مصر وخرجوا بعد 250 عاما ومع ذلك ظلت مصر منارة المذاهب السنية إلى يومنا هذا.

التحدى الحقيقى ونقطة الخلاف الجوهرية هى اختلاف الرؤية المصرية والعربية من جهة، والإيرانية من جهة أخرى، حول عملية السلام فى المنطقة. فمنطلق إيران قائم على رفض هذه العملية من أساسها، فى حين نرى نحن أن السلام هو مفتاح الاستقرار فى المنطقة. وهناك أيضا قلق من تزايد النفوذ الإيرانى فى العراق بالشكل الذى قد يطال من عروبته. وفوق ذلك بالطبع الأخطار الذى تحدق بدول الخليج إذا ما امتلكت إيران سلاحا نوويا.

لكن لابد أن نتذكر هنا أن موقف إيران من التسوية السلمية لم يمنع حليفتها سوريا من الانخراط فى مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر تركيا. كما أن إيران لا يمكنها أن تقف فى وجه المبادرة العربية للسلام التى ارتضتها كل الدول العربية منذ عام 2002 فى قمة بيروت. كما لا يعنى احتضان إيران لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية أن تتخلى مصر عن جهودها المخلصة لتحقيق الوفاق والمصالحة الفلسطينية.

وتؤدى بنا كل هذه الشواهد إلى القول بأنه ليس هناك ما يحول دون إشراك إيران فى حوار حول كل القضايا الخلافية بما يضمن لنا فى النهاية الحفاظ على مصالحنا القومية.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات