انتخابات الرئاسة ومرحلة الحصاد - عبد الفتاح ماضي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات الرئاسة ومرحلة الحصاد

نشر فى : الأحد 3 يونيو 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأحد 3 يونيو 2012 - 8:30 ص

الانتخابات الرئاسية انتخابات كاشفة وأوصلتنا إلى ما أسميه مرحلة الحصاد. حصاد مواقف الإخوان وبقية القوى السياسية، وحصاد تفرق القوى الاحتجاجية والشبابية، وحصاد عراك هؤلاء جميعا وتنافسهم على كعكة لم تنضج بعد، والأهم حصاد عام من تشويه الثورة والثوار ومن الانفلات الأمنى المتعمد ومن التباطؤ الشديد غير المبرر فى تطهير أجهزة الدولة ومن المواقف الانفرادية للمجلس العسكرى.ثم أخيرا حصاد سكوتنا على مسالة ترشح شفيق والارتباك الشديد الذى هو مسئولية لجنة الانتخابات، وحصاد اعداد جهات مختلفة، فى صمت، لمثل هذا اليوم الذى يعود فيه النظام القديم بشرعية الصناديق.

 

●●●

 

الآن لا يجب لوم من خطط ودبر للالتفاف على الثورة فقط، وانما يجب توجيه اللوم لأنفسنا. اختارت جماعة الإخوان الابتعاد عن الكثير من التوافقات الوطنية التى نادت بها الغالبية العظمى من القوى السياسية وقللت من شأنها ومن شأن الحالة الثورية على الأرض، ظنا منها ان مواقفها هى الصواب على طول الخط وأن مواقف الآخرين مشكوك فيها دوما، واعتقادا منها انه بمقدورها بمفردها استكمال مسار الثورة وتحقيق ما تريده عبر الحصول على الاغلبية بالبرلمان ثم على الرئاسة. كما ظنت قوى ثورية أخرى أن النضال فى الفضائيات والفيسبوك يكفى لاستكمال الثورة، هذا ناهيك عن هجوم البعض غير المبرر على كل ما هو إسلامى. نسى هؤلاء جميعا ان نجاحنا فى المرحلة الاولى للثورة كان لسبب واحد هو تخلينا عن اختلافاتنا الأيديولوجية واشتراكنا جميعا فى هدف وطنى واحد.

 

فى واقع الامر الحصول على كل المناصب الرسمية لا يضمن آليا ممارسة السلطة الفعلية فلو حصل الإخوان على هذه المناصب بمفردهم ففى الغالب ستقف أجهزة الدولة ضدهم وسيواجهون بمعارضة قوية فى البرلمان حيث لن تغفر معظم القوى السياسية لهم وعدهم بعدم السيطرة ولن يستطيعوا تنفيذ مشروعهم. وكم من رئيس منتخب فى الديمقراطيات الوليدة لا يمارس صلاحياته بحرية بسبب ضعف المؤسسات أو نفوذ الجيش أو معارضة خصومه. كما أشير هنا إلى ان تصور الإخوان انفسهم بأنهم سينفذون ما يريدون بمجرد حصولهم على الأغلبية البرلمانية لم يكن صحيحا، لأسباب عدة اهمها اننا فى مرحلة التأسيس للنظام الديمقراطى ولم نصل بعد لمرحلة التنافس الحر وهذه المرحلة لا تحتمل أبدا تصدى فصيل واحد لكل الملفات. هذه سنة كونية قد يتحدث البعض عنها لكن عند التنفيذ لا يلتزم بها. ولهذا كنت معارضا لتنافس الجماعة على منصب الرئاسة وكتبت عدة مرات ومنذ شهور مقترحا تشكيل جبهة وطنية تقوم على اساس مشاركة الجميع فى تحمل المسئولية ومعالجة كافة الملفات ذات الأولوية من خلال رئيس توافقى من خارج الجماعة وحكومة وحدة وطنية موسعة.

 

●●●

 

وفى الجهة الأخرى لم تستوعب معظم القوى السياسية الاخرى الواقع جيدا ولم يدركوا ان نضال الفضائيات والفيس بوك ليس بديلا عن النزول للشارع والالتحام بقضايا الناس وبناء تحالفات على الأرض وتوعية الناس بمطالب الثورة وأهمية الثورة لتحسين أوضاعهم. كما لم تدرك هذه القوى خطورة خوض الانتخابات بأكثر من مرشح، وظنوا ان الاحتكام إلى الناخبين سيحل لهم خلافاتهم. وهذا هو نفس الخطأ الذى ارتكب عندما فرض علينا الاستفتاء مبكرا قبل التوافق الحقيقى على المسار فكانت النتيجة ان الاحتكام إلى الناخبين أدى إلى تصدير خلافات النخب إلى الشارع وتعميقها. وهذا امر نعانى منه حتى اليوم. لكن لا يجب لوم الناخبين وانما النخب والقوى التى اختارت دوما المسار الخطأ دون تدبر فى سنن الكون المتكررة فى حالات انتقال أخرى.

 

●●●

 

الفرصة الأخيرة الآن هى فى تضامن وتشارك القوى السياسية جميعا وعلى رأسهم الإخوان فى أمرين: الاول إثارة قضية التزوير التى أثارها البعض والتى قد تفسر الملايين الخمسة التى حصل عليها شفيق. والثانى محاولة بناء مرشح معسكر الثورة لمجابهة مرشح النظام القديم فى حالة الفشل فى إثبات التزوير.

 

ويقتضى هذا عقد اتفاق بين الإخوان وحملتى ابوالفتوح وصباحى وبقية القوى السياسية الرئيسية الأخرى يتم بموجبه المشاركة فى السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة لمدة اربع سنوات واختيار شخصيات وطنية من خارج الإخوان فى منصبين لنائب الرئيس وفى منصب رئيس الوزارة ومن منصب رئيس الجمعية التأسيسية، ويتم أيضا الاتفاق على برنامج الحكومة الذى يعالج الأولويات التالية: الأمن، الاقتصاد، المطالب الاجتماعية، والعلاقات المدنية العسكرية، والملف الخارجى. مثل هذا الاتفاق لابد ان يكون مكتوبا وبه تعهدات نهائية من كل الأطراف ويتم إعلانه للرأى العام. وهذا امر شائع فى حالات الانتقال الديمقراطى الاخرى كما حدث فى اسبانيا وجنوب افريقيا وفى عدد من دول أمريكا اللاتينية.

 

وهو امر واقعى ويتطلب نخبا على قدر من المسئولية تستشعر خطرا مشتركا ولا أظن انه يوجد خطر اكبر من عودة مبارك فى ثياب تلميذه الوفى.

 

●●●

 

بالنسبة لى كدارس ومعلم للسياسة ــ وكما غيرى من المتخصصين فى قضايا التحول الديمقراطى ــ ما جرى ويجرى فى مصر قبل وبعد الثورة أمر متكرر فى حالات أخرى وندرسه لطلابنا منذ سنوات. ومن ثم لا يجب أبدا أن ننظر إلى كل تحليل سياسى مخالف لنا على أنه «تحليل أكاديمى» و«لا يصلح لمصر التى لها ظروف خاصة». فاعتبروا يا اولى الألباب. والله تعالى أعلم.

عبد الفتاح ماضي  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية
التعليقات