يصادف هذا الشهر مرور 30 عاما على توقيع اتفاق «أوسلو»، والردود متوقعة. فى أوساط اليمين، سيقولون إن إسرائيل كانت ضحية عملية احتيال فلسطينية، ويضيفون بعض نظريات المؤامرة بشأن مقتل رابين، الهدف منها تبرئة الصهيونية الدينية وحاخاماتها وبنيامين نتنياهو من التحريض على القتل. وفى أوساط اليسار، سيقولون إن إسرائيل احتالت على الفلسطينيين بوعود كاذبة بإنهاء الاحتلال، وعمليا، أغرقت الضفة الغربية وشرقى القدس بالمستوطنين. فى نظر اليمين، رابين غبى، وفى نظر اليسار، هو محتال. إلا أنهما سيتفقان على شىء واحد: كلمة «سلام» التى برزت فى الحيز العام خلال سنوات «أوسلو»، شُطبت منه كليا، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين الذين لا يتم ذكرهم مطلقا كطرف فى مفاوضات، أو تسوية سلمية.
حكومة «اليمين الكاملة» الحالية أعلنت فى الخطوط الأساسية أن: «للشعب اليهودى حقا حصريا لا يمكن التشكيك فيه على كامل أرض إسرائيل». وفى الاتفاقيات الائتلافية، التزم نتنياهو قيادة «سياسة من أجل فرض السيادة على الضفة»، ويعمل على تحقيقها. وفى الوقت نفسه، وعدت الحكومة بـ«دفع اتفاقيات سلام إضافية لإنهاء الصراع العربى ــ الإسرائيلى». بما معناه، نتنياهو يريد السلام وإنهاء الصراع، وفى الوقت نفسه، يجب أن تضم إسرائيل الضفة، ولا يوجد للشعب الفلسطينى أى حقوق قومية، حتى فى قطاع غزة الذى يُعتبر جزءا من «مناطق أرض إسرائيل» التابعة لليهود فقط.
ما يقوم به اليمين بحق الفلسطينيين والفلسطينيات هو «إنكارهم كشعب»، وهذا موقفه منذ أعوام طويلة «شعب مخترع». لكن أيضا فى الجهة المعارضة له، من «قوة كابلان» [ساحة الاحتجاجات]، واليسار، لا يتحدثون عن سلام مع الفلسطينيين. أما «الكتلة ضد الاحتلال» [حركة معارِضة للاحتلال تجمع يهودا وعربا]، فتطالب بالخروج من الضفة، وليس بالسلام. أما القادة الأمنيون، والطيارون والجنرالات السابقون ــ القوة القائدة للاحتجاجات، فهم يعبّرون بالأساس عن التخوف من محاكمتهم فى محكمة الجنايات الدولية بسبب جرائم الحرب فى الضفة، إذا تحولت المحكمة العليا إلى وحدة كتّاب بلاط لدى نتنياهو وياريف ليفين.
لا تتعامل الحكومة والاحتجاجات مع الشعب الفلسطينى كشركاء فى صوغ الواقع المستقبلى. الاحترام الذى حصلت عليه القيادة الفلسطينية من إسرائيل والولايات المتحدة فى فترة «أوسلو»، نُسِى على وقع نغمة «لا شريك» التى لخص بها إيهود باراك فشله فى الوصول إلى اتفاق مع ياسر عرفات فى سنة 2000. فى الحكومة، هناك نقاش بشأن تقوية أو تفكيك السلطة الفلسطينية، ولكن لا يتعلق بـ«حل الدولتين».
إخفاء مصطلح «السلام» يبرز بصورة خاصة على خلفية الوضع السياسى فى إسرائيل التى شهدت ازدهارا غير مسبوق فى علاقاتها مع العالم العربى فى أعقاب «اتفاقيات أبراهام». إسرائيل تدير مفاوضات بشأن اتفاق مع السعودية، الدولة الأهم بين الدول العربية اليوم، ويجتهد جميع الأطراف للحديث عن «اتفاق تطبيع» من دون ذكر كلمة «سلام» التى ارتبطت، كما يبدو، بالخاسرين الذين ألقوا خطابات مبالغا فيها، وعلى رأسهم شمعون بيرس. الآن، يطبّعون، وليس بالكامل، على الرغم من الوعود فى الخطوط الأساسية للحكومة. أما بخصوص الفلسطينيين، فإن تحدثوا، هم يتحدثون عن تحويل الأموال والأعمال الشرطية.
وإذا كانت هذه هى الحال، فإن تصريحات إيتمار بن غفير التى تفاخر فيها بالإرهاب [اليهودى] فى الضفة كان لا ينبغى أن تثير هذا الجدل، والأكيد لم تكن بحاجة إلى الاتهامات المبالَغ فيها من «مصادر سياسية» لم تكشف عن نفسها بشأن «عملية دعائية». بن غفير عكس الواقع الميدانى جيدا، والحديث الإسرائيلى الداخلى، وكذلك سياسات الحكومة التى يشغل فيها مكانة مركزية. المشكلة ليست فى «الهاسباراه» ــ بطرح الاحتلال كشىء ممتع، أو ضرورى للأمن. المشكلة فى السياسة الإسرائيلية التى تركت مصطلح السلام، وترى الشعب الفلسطينى كمجموعة من الرعايا من دون أى حقوق.
فى هذه الأيام، أنا أشتاق إلى رابين الذى عرف كيف يقود الإسرائيليين إلى السلام، ويعكس الثقة للفلسطينيين والمجتمع الدولى. تشويه صورته فى الذكرى السنوية لـ«أوسلو» يشير إلى الطريق السيئة التى مرت بها إسرائيل منذ مقتله، وحتى تحوّل بن غفير من الهامش، وأصبح يستحوذ على الاهتمام فى ساعات الذروة.