الضم برعاية الإرث الثقافى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 11:26 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الضم برعاية الإرث الثقافى

نشر فى : الأربعاء 18 ديسمبر 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 ديسمبر 2024 - 7:50 م

جرى نقاش، الأسبوع الماضى، فى «لجنة التربية والتعليم» فى الكنيست بشأن تخويل سلطة الآثار العمل فى الضفة الغربية. للوهلة الأولى، يبدو النقاش كأنه هامشى، لكنه يشكل خطوة إضافية فى طريق فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. عضو الكنيست عميت هاليفى، الذى بادر إلى التعديل، افتتح النقاش بخطاب ملحمى عن حاجة إسرائيل الرسمية إلى تحمُّل المسئولية عن الآثار الموجودة فى هذه المنطقة من البلد. ادّعى هاليفى أن المواقع اليهودية فى خطر جرّاء «سرقة الآثار وعمليات السلب من طرف السكان الفلسطينيين».


صحيح، ومن دون شك، أن هناك مشكلة سرقة آثار وتدميرها فى المنطقة. ومن المهم الإشارة إلى أن المسئول عن قضايا الآثار فى الضفة الغربية فى إطار الإدارة المدنية، بنى هار إيفن، كان موجودا فى الجلسة، لكن مَن بادر إلى النقاش، قال فى البداية إن «أبونا إبراهيم لا يجب أن يكون تحت حكم عسكرى»، ولذلك، يتوجب على إسرائيل الرسمية أن تكون مسئولة عن هذه المواقع فى المنطقة.


هار إيفن عارض تعديل القانون هذا، إلى جانب ممثلين من مجلس علم الآثار والأكاديمية القومية الإسرائيلية للعلوم. عمليا، عارض المستوى المهنى كله هذه الخطوات، بدوافع مختلفة، حتى إن ممثل سلطة الآثار، الجهة التى يُفترض أن تكون مسئولة عن الآثار، بحسب التعديل، لم يفهم سبب إجراء هذا التعديل. ومن المهم الإشارة إلى أن القانون الدولى، مثل اتفاقية لاهاى بشأن حماية الإرث الثقافى فى حالات النزاع المسلح، يمنع إخراج هذه الآثار من منطقة النزاع.
هدف هذا التعديل واضح، ويتخطى حدود علم الآثار، أو الحفاظ عليها، أو منع سرقتها. الهدف واحد، وهو فرض القانون الإسرائيلى على الضفة الغربية، إنها خطوة إضافية فى مشروع الضم الإسرائيلى الزاحف.
فى هذا السياق، من المهم التوقف عند الفرق ما بين علم الآثار وهو فرع علمى يبحث فى الماضى عبر البحث فى آثار مادية؛ وبين الإرث ــ وهو عملية صناعة هوية اجتماعية تستعمل الماضى ومن ضمنه علم الآثار، لبناء ذاكرة جماعية وهوية قومية. فقبل تأسيس دولة إسرائيل ذاتها، قامت الحركة الصهيونية، بزعامة بن جوريون، باستعمال الآثار للربط ما بين الجغرافيا الإسرائيلية والتوراة. هذه المواقع الأثرية استخدمها فى الأساس منظّرون صهيونيون، بهدف بناء الرواية اليهودية فى أرض إسرائيل، وبذلك يجرى تقويض نهج الشتات، والتشديد على الاستمرارية اليهودية فى أرض إسرائيل.
اليوم، يُستعمل الإرث لتوسيع مساحة إسرائيل الجغرافية، وهذا ما يحدث فى تعديل القانون الذى نتحدث عنه. وهو أيضا ما جرى فى حالة زئيف حانوخ إرليخ الذى قُتل خلال جولة فى قلعة فى الجنوب اللبنانى، لا علاقة لها بالإرث اليهودى، بحسب خبراء الآثار. لكن عندما كان أورليخ يبحث عن معنى يهودى لوضع حدود وهمية مستقبلية لإسرائيل، كان قاتله وقاتل الجنود ينتظرهم. قُتل فى هذه الحادثة الضابط غور كهاتى الذى كان مسئولاً عن تأمين أورليخ، فى أثناء بحثه عن «الرابط مع الجذور فى أرضنا» ورغبته فى «رؤية النصوص التوراتية أمام عينيه»، هذا ما قاله ابنه خلال العزاء.
لكن، بالإضافة إلى تعريف حدود إسرائيل المحتملة ومحاولة خلق ذاكرة جماعية وإرث يُستعمل من أجل محو المعنى (فى هذه الحالة، هو الهوية الفلسطينية)، كانت هناك ادعاءات فى هذه الجلسة تطالب بتقزيم «الإرث الفلسطينى المخترَع» فى مقابل الإرث اليهودى الموجود منذ آلاف السنين. حتى إنهم ذهبوا أبعد من ذلك، وادّعوا أن جنودنا يقاتلون أعداء يريدون إزالة السردية اليهودية من هذه المنطقة.
خلال الأعوام الماضية، شدد المجتمع البحثى على أهمية الإرث الثقافى، كجزء جوهرى من الهوية الإنسانية. تروى المجتمعات قصصا عن الماضى، وهى قصص تساهم فى تماسُك المجتمع، وتدفعه إلى العمل المشترك. لكن حسبما يبدو من تعديل القانون هذا، يمكن استعمال الإرث من أجل السرقة ونزع الإنسانية أيضا. لا شك فى أن هناك حاجة إلى حماية الآثار التابعة لجميع الثقافات فى منطقتنا. لكن علينا القيام بذلك، عبر حماية الآثار فى منطقتنا. يمكن أن يكون هذا الإرث جسرًا بين المجتمعات، لكن عندما يتم التعامل معه كأداة قوة وسيطرة، فإنه يفقد قيمته الحقيقية، ويصبح أداة لتأبيد الصراعات، بدلا من حلها.

 


رودى كيسلر
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات