خلاص الشعب السورى من حكم عائلة الأسد، أبا وابنا، التى حكمت البلاد على مدى أكثر من 50 عاما بعقلية الضباع يستحق كل احتفال سواء من الشعب السورى أو من أى إنسان لديه الحد الأدنى من الحس الإنسانى. فلا يمكن لمنصف أن يقبل ببقاء هذا الحكم الذى سام العباد العذاب ودمر مكونات الدولة التى حولها إلى كيانات عائلية وطائفية، تخلت عن دورها فى الدفاع عن الشعب والأرض وتفرغت للدفاع عن نظام الحكم وقيادته الدموية.
لكن يبدو أن رياح التغيير جاءت بما لا يشتهى الوطن. فالظهور الأول لقائد قوات المعارضة المسلحة التى أطاحت بحكم الأسد خلال أقل من 10 أيام، كشف عن أن سوريا الشقيقة قد تستبدل حكما لا يقيم لسيادة الوطن وحماية مقدراته وزنا بنظام بشار الدموى المستبد الذى ترك بلاده رهينة للنفوذ الروسى والإيرانى.
فالتصعيد المسلح للمعارضة لإسقاط حكم الأسد تم بتنسيق واضح مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ثم خرج أبو محمد الجولانى زعيم ما عرف بهيئة تحرير الشام وكلاهما مدرج على قوائم الإرهاب الدولية والأمريكية والأوروبية وهو يتقمص شخصية الرئيس الأوكرانى الموالى للغرب فولوديمير زيلينسكى ويرتدى زيا شبيه بزيه ويتحدث بنفس لهجته.
وفى الوقت الذى دخل فيه الجولانى، الذى تخلى عن هذا الاسم الحركى واستعاد اسمه الأصلى وهو أحمد الشرع، دمشق، كانت إسرائيل تجتاح الأراضى السورية وتقف على أعتاب دمشق وتشن حرب دمار شامل على مقدرات الجيش السورى وتعلن على لسان كبار مسئوليها أن سيطرتها على الأراضى السورية المحتلة فى الجولان ستستمر للأبد.
فى المقابل التزم الجولانى الذى بدأ «مسيرته» تحت لواء تنظيم القاعدة الإرهابى فى عام 2003 بقيادة أبو مصعب الزرقاوى فى العراق من أجل «التصدى للاحتلال الأمريكى للعراق وتحرير الأرض العربية المحتلة»، الصمت على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان واستيلائها على المزيد من الأراضى السورية بعد انهيار نظام الأسد.
وبالتزامن مع زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو جبل الشيخ السورى ليطل على العاصمة السورية، يقول الجولانى: «إنّنا لسنا فى صدد الخوض فى صراع مع إسرائيل، ولا حِمل معركة ضدّها».
وفى مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية يقول الجولانى أيضا: «لا نريد أى صراع سواء مع إسرائيل أو أى شخص آخر ولن نسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق للهجمات. يحتاج الشعب السورى إلى استراحة»، لكنه لم يشر إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية ولم يفعل حتى ما فعله جير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة لسوريا الذى ندد أمام جلسة مجلس الأمن بالعدوان الإسرائيلى المتواصل على مقدرات الشعب السورى، وطالب بالتصدى للاستيطان الإسرائيلى فى هضبة الجولان المحتلة باعتباره عدوانا غير مشروع على الأراضى السورية، وهى تصريحات لم تصدر حتى الآن عن الجولانى.
بالطبع لا أحد يطالب السلطة السورية الجديدة ولا زعيمها المدرج على قوائم الإرهاب بإعلان الحرب على إسرائيل ولا حتى بالتلويح بها، لكن عليها أن تعلن رفضها القوى والواضح لتدمير مقدرات الجيش السورى باعتبارها مقدرات الشعب الذى تحكمه تلك السلطة، وأن تؤكد تمسكها بتحرير الأرض المحتلة إن عاجلا أو آجلا، سلما أو حربا. هذا واجب على أى سلطة تدعى الوطنية وتتعهد بإعادة بناء الدولة التى دمرها حكم آل الأسد.
لكن الواضح حتى الآن أن الجولانى يراهن على الارتماء فى أحضان الغرب وتجاهل الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية، والقبول بتدمير الجيش وأسلحته، لكى يتغاضى هذا الغرب عن ماضيه الإرهابى وحاضره المحاط بالشكوك ويسلم له بحكم سوريا، مقابل التفريط فى الأرض للاحتلال وفى السيادة لقوى الجوار».