حتى لا نزهق روح الثورة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 3:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا نزهق روح الثورة

نشر فى : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 8:30 ص

معظم الذين يتعجلون نهاية حكم العسكر، ممن ضمتهم ساحة الجمعة الماضية التى أطلق عليها جمعة «استرداد الثورة»، لا يقدمون حتى الآن بديلا يمكن الركون إليه لقدرتهم على إقامة نظام سياسى مستقر، بغير الغطاء الذى يقدمه العسكر.. مهما كانت رداءة الأداء أو نقص الخبرة أو استعصاء الظروف المحيطة.. ولذلك تأتى استجابة المجلس العسكرى لمعظم المطالب أخيرا دليلا على عدم التمسك بالبقاء فى السلطة كما يدعى كثيرون.

 

لقد انقضت عدة أشهر منذ قيام الثورة، وأشرف عام الثورة على الاكتمال ومازالت القوى السياسية والأحزاب والائتلافات الشبابية عاجزة عن الالتقاء على قواسم مشتركة لوضع أسس النظام القادم. وذلك على الرغم من عشرات بل المئات من الاجتماعات والحوارات والندوات والتكتلات والمناقشات. بل لوحظ أن عددا من الأحزاب الجديدة ينسحب مؤسسوها من عضويتها للانضمام إلى أحزاب أخرى. ويوشك أهم تحالف انتخابى جرى عقده بين أكبر حزبين: الوفد وحزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) أن ينفصم عراه.. وذلك فى اللحظة الحاسمة قبل إجراء الانتخابات بوقت قصير، استجابة لشكوك القواعد الحزبية أو لنُفور شعبى استشف فى هذا التحالف قدرا من الانتهازية السياسية!

 

وإذا كان بعض المراقبين يرى أن حركة الانتقالات والاستقالات والانفصالات والانضمامات بين القوى السياسية أمر طبيعى. فى ظروف يعايش فيها المجتمع لأول مرة معنى الحرية ومضامينها، ويمارسها بتلقائية غير مسبوقة.. إلا أنها عند حد معين يصبح الانطباع العام أننا نقف على أعتاب الفوضى، ويتوهم البعض أن الحل الأمثل لذلك هو أن يرفع المجلس العسكرى يده ويستجيب لكل المطالب.. دون تقدير للبعد الزمنى والحالة الاقتصادية والظروف الدولية التى تقتضيها هذه المطالب!

 

لقد أطلق البعض على هذا التوجه جمعة «استرداد الثورة».. وإذا أمعنت النظر فيمن يريدون استرداد الثورة، فلن ترى أحدا من الثوار الحقيقيين الذين تحددت أهدافهم منذ البداية فى تغيير النظام والقائمين عليه، وإقامة حكم ديمقراطى برلمانى، واستعادة الشعب لحرياته الأساسية، وهذه الأهداف هى ما يجب أن يكون التركيز عليها.

 

فالنظام القديم قد سقط ولم يبق منه غير ذيول وبقايا يجب التخلص منها، عن طريق تفعيل قوانين الغدر أو العزل السياسى لكوادر الحزب المنحل الذين تثبت عليهم تهم الفساد المالى والسياسى.

 

ولو اتخذت هذه الخطوة منذ البداية لما ظهر هذا الخلاف الحاد حول القائمة النسبية المغلقة والنظام الفردى فى الترشيح للانتخابات. فقد كان الخوف كل الخوف ومازال هو عودة فلول الحزب الوطنى مرة أخرى لإفساد الحياة السياسية فى مصر، أو التسلل عبر المادة الخامسة عن طريق الثلث الفردى إلى الأحزاب القوية لتصنع أغلبية غير حقيقية فى مجلس الشعب. وهذه كلها عيوب يمكن معالجتها، لو ترك الأمر للجنة قانونية مؤتمنة تقوم على تعديل القوانين التى تمنع حدوثها.

 

إنك تسمع وتقرأ عن أحزاب وقوى سياسية، بعضها حديث عهد بالديمقراطية، يطالب بالدولة المدنية، مع أن قيام دولة مدنية لن يتحقق إلا بإجراء انتخابات حرة نزيهة تشارك فيها جميع القوى والتيارات السياسية. وهو ما يستلزم أن يكون النظام الانتخابى مفتوحا أمام الجميع ولا يحرم منه «المستقلون» أو الذين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية.

 

معظم العقلاء يرفضون حالة الطوارئ ويطالبون بوضع حد زمنى لها أو على الأقل تعليقها فى أثناء الانتخابات. ولكن أحدا لا يستطيع إلغاء قانون الطوارئ. وقد يكون من الضرورى تعديله لكى يواكب تطور الحريات وحقوق الإنسان. ولكننا لا يجب أن نجعل من هذه المشكلة عقبة أمام إجراء الانتخابات والتهديد بمقاطعتها.. مثلها مثل المراقبة الدولية للانتخابات التى تقتصر على المشاهدة والمتابعة والملاحظة!

 

ولن تكتمل ممارسة الشعب لحرياته وحقوقه الأساسية وهى من أهم أهداف الثورة، إلا إذا توقف نهائيا استخدام السلطات الاستثنائية فى مصادرة الصحف ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وفى احترام أجهزة الأمن لحقوق المواطنة.

 

هذه هى الشروط الكفيلة «باسترداد روح الثورة»، وليس بما تفعله المظاهرات والمليونيات من تجاوزات تؤدى إلى «إزهاق روح الثورة» واستغلال الشعارات الدينية فى إثارة العواطف والخروج بالثورة عن أهدافها!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات