منصب وزير الدفاع .. من عرابى إلى السيسى - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منصب وزير الدفاع .. من عرابى إلى السيسى

نشر فى : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:30 ص

كان محمد على مؤسس مصر الحديثة وابنه إبراهيم وهما يسعيان إلى إقامة الجيش المصرى الحديث من المجندين من أبناء البلد، مضطرين أن تكون هيئة القيادة فيه من الضباط الأتراك ذوى الخبرة العسكرية والممارسات القتالية، حيث ظلت الساحة العسكرية تحت سيطرة المماليك لعدة قرون، وظل المصريون مستبعدين تماما عن هذا المجال، وقد عبر محمد على عن ذلك الوضع فى رسالة أرسلها إلى ابنه إبراهيم سنة 1823 يقول فيها «أهل مصر ليسوا معتادين على الخدمة العسكرية مثل أهل أوروبا». وبالرغم من أن الضرورة هى التى حتمت الاستعانة بالضباط الأتراك فإن هناك من الشواهد أن إبراهيم باشا كان يفضل الجنود المصريين ولم يتردد لحظة فى طرد الجنود الأتراك والعثمانيين من الجيش والأسطول. (من كتاب الأتراك وتراثهم الثقافى فى مصر للبروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو).. ولكن بقيت مشكلة الضباط وهى مسألة تحتاج إلى وقت طويل لإعداد الكوادر المدربة من الضباط ثم تمرسهم فى مختلف الرتب وعلى مختلف المهام، والحقيقة أن محمد على لم يتخذ أى خطوة فى سبيل فتح الأبواب أمام تكوين كادر من الضباط المصريين وذلك طوال عهده.

•••

وظلت المدرسة الحربية فى عهده قاصرة على الأتراك وبعض أبناء الجاليات العثمانية الأخرى من غير المصريين.. ولم يبدأ التغير إلا فى عهد إسماعيل باشا الذى أنشأ الوزارات وكانت تسمى النظارات وظهر معها أول مجلس للنظار برئاسة نوبار باشا «الأرمنى» (مجلس الوزراء) وضم لأول مرة وزيرا للدفاع أو ناظرا للجهادية وهو عثمان باشا رفقى «الشركسى».. وبالرغم من إنشاء نظارة للجهادية فإن المدرسة الحربية ظلت على نظامها القديم أى اقتصار دخولها على غير المصريين، أما المصريون فكانوا يخدمون فى الجيش كجنود فقط، وكان من بين هؤلاء الجنود أحد أبناء الفلاحين وهو أحمد عرابى.

وقد قاد عرابى أول تمرد بين الجنود المصريين مطالبا السماح لهم بالترقى إلى مصاف الضباط وقد استجاب الخديو إلى ذلك، وتم إعداد نظام يسمح للجنود بالترقى إلى مصاف الضباط بعد تمضيتهم فترة دراسة وجيزة بالمدرسة الحربية على أن يكون المسمى هو صف ضابط وتقف ترقيتهم عند درجة الصاغ «الرائد»، وكانت أول دفعة من المصريين تضم فيما بينها أحمد عرابى، وهى دفعة عام 1866، ثم جاءت الانتفاضة الثانية لـ«ضباط» المصريين للمطالبة بفتح باب الترقية للرتب العليا دون قيود وتم لهم ذلك، ووصل عرابى إلى رتبة الأمير آلاى «أى قائد اللواء»، وحصل على الباشاوية، وقام إسماعيل باشا بعزل عثمان باشا رفقى «المكروه» من نظارة الجهادية وعين مكانه محمود باشا سامى البارودى «رب السيف والقلم وهو أيضا من أصول أرمنية»، وعندما تولى توفيق باشا الحكم عين البارودى ناظرا للنظار وعرابى باشا ناظرا للجهادية، وهو بذلك أول وزير دفاع مصرى.

•••

كان وزير الدفاع «ناظر الجهادية» يعطى الأوامر للوحدات مباشرة حيث لم يكن هناك قائد عام للجيش أو حتى رئيس للأركان حتى دخول الإنجليز مصر الذين أعادوا تنظيم الجيش وأنشأوا منصب رئيس الأركان، وتغير اسم نظارة الجهادية إلى وزارة الحربية «Ministry Of War»، وظلت هذه التسمية سائدة حتى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، حيث أصبح الاسم هو «وزارة الدفاع»، وخرجت وقتها بعض التحليلات السطحية تنتقد هذا «التنازل» الإضافى، وهم لا يعلمون أننا تأخرنا كثيرا فى تغيير هذا المسمى «الغليظ» الذى يوضع فى سلة دعاة الحرب إلى مسمى يتسق مع روح العصر، فما من دولة تشن حربا إلا وتطلق عليها حربا دفاعية حتى وإن كانت هجومية، لدرجة أن الاسم الرسمى للجيش الإسرائيلى الذى تعد جميع حروبه عدوانية هو جيش الدفاع الإسرائيلى حتى إن تقارير الأمم المتحدة التى تصدر إثر أى عدوان إسرائيلى مضطرة أن تصفه بهذا الوصف.

فتقول مثلا إن جيش الدفاع الإسرائيلى اشتبك صباح اليوم مع.. وكذلك التقارير الإعلامية.. وهكذا فإن الذى يبقى فى الأذهان هو كلمتا الدفاع والإسرائيلى.. أى إسرائيل تدافع عن نفسها.

•••

بعد هذا الاستطراد أعود إلى السياق السابق، وإلى الفترة التى سبقت قيام ثورة 23 يوليو 1952، كان الفريق محمد حيدر باشا مدير السجون من أقرب المقربين إلى الملك فاروق وأصر الملك على أن يفرضه كوزير للحربية فى الحكومات المتعاقبة منذ منتصف الأربعينيات حتى جاءت حكومة الوفد بأغلبية برلمانية كبيرة عام 1950، ورفضت قبول وزيرا للدفاع من غير أعضاء الحزب وكان الحل هو إنشاء منصب القائد العام للقوات المسلحة الذى أسند إلى حيدر باشا بينما عين الوفد الأستاذ مصطفى نصرت «باشا فيما بعد» وزيرا للحربية.

•••

وفكرة الفصل بين منصبى وزير الدفاع والقائد العام فكرة جديرة بالبحث، وقد تشكل حلا لما هو مطروح الآن، فوزير الدفاع أو الوزير بوجه عام هو منصب سياسى. فليس من الضرورى أن يكون وزير الصحة طبيبا ووزير الداخلية شرطيا ووزير الدفاع عسكريا، فهناك الوكلاء الدائمون للوزارات الذين يتولون إدارتها وجميع جوانبها الفنية وبالنسبة لوزارة الدفاع فهناك القائد العام للقوات المسلحة الذى يمكن أن تتبعه جميع أفرع هذه القوات والإدارات المختلفة المتصلة بها.

•••

كنت أود أن أتقدم باقتراح إلى لجنة إعداد الدستور مطالبا بتعديل النص الخاص بترتيبات تعيين وزير الدفاع بحيث تنصرف هذه الترتيبات إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة. أى يقوم رئيس الجمهورية بتعيين القائد العام للقوات المسلحة بناء على ترشيح من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

على أن يكون ذلك هو الوضع الدائم وليس الانتقالى الذى يقتصر على دورتين تشريعيتين كما هو الحال فى النص المقترح حاليا، حيث تنتفى الحاجة إلى ذلك.. ويصبح وزير الدفاع منصبا سياسيا يخضع لترتيبات تشكيل الحكومة وفقا للأغلبية البرلمانية.

والآن وقد فرغت اللجنة من أعمالها واعتمدت جميع المواد فلعل هذا الاقتراح يجد من يتبناه فى المستقبل القريب.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات