المربكات التي يثيرها ترامب - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 12:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المربكات التي يثيرها ترامب

نشر فى : الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 7:10 م

لقد استطاع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منذ أن تولى الرئاسة فى 20 يناير 2025 وخلال أسبوع واحد، أن يحدث ارتباكات كبيرة على المستوى الداخلى الأمريكى، وعلى المستوى الإقليمى والدولى. وأصدر العديد من القرارات الرئاسية التنفيذ بما سبق أن وعد به فى حملته الانتخابية، وأضاف إليها قرارات وتصريحات أثارت القلق والارتباك معًا لأنها لا تخص صميم الشأن الأمريكى وقد لا تدخل فى إطار المهمة التى جعلت الأمريكيون يختارون ترامب لاعتقادهم بقدرته على إصلاح الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد الأمريكى، وإصلاح ترهل الإدارة الاتحادية والإسراف فى النفقات الأمريكية داخليًا وخارجيًا.
إن أحدث ما صدر عن ترامب اقتراحه بترحيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين فى قطاع غزة إلى مصر والأردن، لأن غزة أصبحت مكانًا مدمرًا بالكامل، لذا من الأفضل أن تشارك دول عربية فى بناء مساكن أفضل آمنة للفلسطينيين، وأن هذا قد يكون بصفة مؤقتة ويمكن أن يكون بصفة دائمة. وسبق أن تحدث ترامب عن جمال شواطئ غزة. وهو بطرحه هذا يتبنى موقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التى رحبت باقتراحه لأنه يحقق أهم أهدافها وهو تصفية القضية الفلسطينية والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية والاكتفاء بمنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا تحت سيادة إسرائيل وفقًا لتصريحات نتنياهو السابقة.
كان الأحرى بترامب، الذى قال إنه سيحقق السلام فى الشرق الأوسط، أن يبادر بتقديم المساعدات لسكان قطاع غزة لإزالة الركام وإعادة الإعمار وتجهيز المستشفيات المدمرة بالأدوات والمعدات العلاجية، والإسراع بترميم البنية الأساسية والمرافق فى قطاع غزة الذى أقر بنفسه أن أصدقاءه الإسرائيليين حولوه إلى ركام وخراب.
لقى اقتراح ترامب بتهجير فلسطينيى غزة استنكارًا شعبيًا عربيًا شديدًا، ورفضًا من الدول العربية، ومن مصر التى أصدرت وزارة خارجيتها بيانًا أكدت فيه رفض مقترح ترامب والذى لا يحقق الأمن والاستقرار بل يزيد ويوسع الصراع فى الشرق الأوسط، وأن تحقيق السلام يتطلب العمل على تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967.
• • •
أثار ترامب حالة من الارتباك الشديد بتهديده باستعادة قناة بنما، وانتقد بشدة القرار الأمريكى بتسليم القناة إلى الحكومة البنمية فى عام 1999، قائلاً إن القناة سلمت لبنما وليس للصين التى ادعى أنها أصبحت تسيطر على قناة بنما، علمًا بأن الصين هى الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية فى استخدام القناة، ولكنها توسعت فى إقامة مراكز لوجستية فى مراكز تخزين تجارية فى المنطقة الحرة حول القناة، لتوزيعها على أسواق أمريكا الوسطى والجنوبية والكاريبى وأصبحت تمثل منافسًا قويًا للبضائع الأمريكية. ولم يراعِ ترامب أن بنما عضو مع الولايات المتحدة الأمريكية فى منظمة الدول الأمريكية والتى تضم كل دول الأمريكتين. وقد أدى ذلك إلى تقديم بنما شكوى إلى مجلس الأمن فى الأمم المتحدة ضد تهديد ترامب بالاستيلاء على قناة بنما، كما أشارت فيها إلى أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على عدم جواز التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد دولة أخرى أو المساس بسيادتها، وطلبت توزيعها على كل أعضاء مجلس الأمن، دون طلب لعقد اجتماع للمجلس حاليًا.
لم تسلم كندا، الجارة والعضو فى اتفاق ثلاثى أمريكى كندى مكسيكى للتعاون الاقتصادى والتجارى، وعضو فى منظمة الدول الأمريكية وفى حلف الناتو، لم تسلم من مربكات ترامب عندما قال إن كندا تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية التى تخسر نحو 250 مليار دولار أمريكى سنويًا فى كندا، وأنه إذا أوقف ذلك لا يمكن أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة، وأنها استغلت الولايات المتحدة لمصلحتها الخاصة على مدى سنوات طويلة، ويرى أن كندا يمكن أن تكون ولاية أمريكية رائعة. وقد أثار ذلك استياء وغضبًا شديدًا على المستويين الشعبى والرسمى فى كندا.
انتقلت إرباكات ترامب إلى الجارة الجنوبية المكسيك، ليس فقط بالعمل على استكمال وإحكام السور على الحدود الأمريكية معها لمنع المهاجرين غير القانونيين الذين تساعد الولايات الأمريكية الجنوبية على إدخالهم باعتبار أنهم عمالة رخيصة بلا تأمين صحى أو اجتماعى، بل وأصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين ومن بينهم أعداد كبيرة من المكسيك. كما عمل ترامب على تغيير اسم خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا» وهو ما أثار سخرية رئيسة المكسيك والرأى العام المكسيكى. ويلاحظ أن الرأى العام والإعلام المكسيكى منذ سنوات طويلة لا يوافق على اسم «الولايات المتحدة الأمريكية» وإنما يستخدم اسم «الولايات المتحدة لشمال أمريكا» ويرى أنه الأصح والأدق.
كان من نصيب الدنمارك ارتباك أكبر، عندما قرر ترامب المطالبة بضم جزيرة جرينلاند إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والاستعداد لشرائها أو الاستيلاء عليها بدعوى حمايتها والدفاع عنها، مدعيًا أن سكان الجزيرة التابعة للدنمارك، وعددهم نحو 57 ألف نسمة، يرغبون فى الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأشار إلى أن سفنًا روسية وصينية، ومن جميع أنحاء العالم تجوب فى محيط الجزيرة، وأن هذا وضع مقلق لأن الدنمارك لا تستطيع حماية الجزيرة. وقد أثار ذلك غضبًا شديدًا فى الدنمارك عضو حلف الناتو، واتصلت رئيسة وزرائها ميت فريدريكسن بالرئيس ترامب وأجرت معه مكالمة ساخنة وغاضبة، ويبدو أن ذلك لم يغير من رأيه المعلن لأن مساحة جرينلاند نحو 2,16 مليون كيلومتر مربع، وفيها موارد طبيعية كثيرة غير مستثمرة تشمل البترول والغاز، والزنك والرصاص وخام الحديد والفحم والذهب والبلاتين واليورانيوم وغيرها. وتتمتع الجزيرة بنوع من الحكم الذاتى. ولم يربك مطلب ترامب الدنمارك فقط، بل أربك الدول الأوروبية أيضًا من نهج وتفكير أكبر حليف لهم.
• • •
اتخذ ترامب قرارًا بالانسحاب الأمريكى، للمرة الثانية، من اتفاقية باريس للمناخ، ويأتى قراره هذا فى وقت أدى فيه الجفاف وارتفاع درجات الحرارة المناخية إلى نشوب أكبر حرائق فى تاريخ ولاية كاليفورنيا قدرت خسائرها بنحو 150 مليار دولار أمريكى، وعجزت الإمكانيات والتكنولوجيا الأمريكية عن التغلب على هذه الحرائق. ولكن قرار ترامب يخدم أغراض يرى أنها أهم من قضايا المناخ، حيث أصدر قرارًا تنفيذيًا آخر بإطلاق حرية التنقيب واستخراج البترول والغاز الأمريكى لخفض أسعار الطاقة، الأمر الذى يسهم فى تخفيض نسبة التضخم الذى تعانى منه فئات الشعب الأمريكى المختلفة. كما أن ترامب ومؤيديه يريدون عدم الالتزام بالمدد التى يحددها اتفاق باريس والمؤتمرات الدولية للمناخ كحد أقصى لاستخدام الوقود الأحفورى (البترول والغاز والفحم) لما يسببه من تلوث للبيئة والتغيرات المناخية، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تسهم بنحو 24% من ملوثات البيئة.
كما أن مبررات قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، بدعوى أنها أساءت التعامل مع جائحة كورونا وغيرها من الأزمات الصحية العالمية، وهى مبررات يرددها بعد انتهاء جائحة كورونا بمدة زمنية. وقد تكون الأسباب الحقيقية أن ترامب نفسه أثناء جائحة كورونا لم يكن يشجع الأمريكيين على تناول اللقاح الواقى منها أو العلاج، كما أن روبرت كيندى، الذى تخلى عن ترشحه مستقلاً فى انتخابات الرئاسة الأخيرة وانضم لحملة ترامب فى مقابل أن يتولى منصب وزير الصحة، وهو ما تحقق له، لا يؤمن بأى جدوى صحية لكل أنواع التطعيمات ويشن حملات تحذير منها. والحقيقة أن الانسحاب الأمريكى من منظمة الصحة العالمية يتناقض مع مقولة ترامب أنه سيعمل على أن تكون أمريكا قوية وعظيمة وقائدة فى العالم.
• • •
إن قرارات ترامب الأخرى لم تخلو من إثارة الارتباك، على سبيل المثال قراره بإلغاء الحصول على الجنسية الأمريكية بالولادة بالنسبة للنساء اللاتى يأتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط للولادة ليحصل الوليد على الجنسية الأمريكية. وقد أوقف قاضٍ فيدرالى فى سياتل تطبيق هذا القرار ووصفه بأنه «غير دستورى بشكل خارج»؛ حيث إن الدستور الأمريكى ينص على هذا الحق ويطبق منذ نحو 125 عامًا، ويحتاج إلى إلغائه إلى تعديل دستورى. فهل يلجأ ترامب إلى خطوة تعديل دستورى معتمدًا على أغلبية الجمهوريين فى الكونجرس، أم يترك قراره معلقًا، قد يطبق فى بعض الولايات دون غيرها، أم يعتبره ملغيًا؟
يريد ترامب أن يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة قوية قادرة على تحقيق ما تريد فى مختلف مناطق العالم، معتمدًا على ما لديها من أدوات ومن انتشار وجودها سواء الاقتصادى أو العسكرى فى كل القارات. وهدف ترامب من ذلك التغطية على الأزمة الاقتصادية الأمريكية الكبيرة، إذ بلغت قيمة ديونها الخارجية نحو 34 تريليون دولار أمريكى، واقتربت الصين من شغل المركز الاقتصادى الأول عالميًا ولديها احتياطى نقدى نحو 2,3 تريليون دولار أمريكى. لذا فإن ترامب قد ينجح لبعض الوقت فى إثارة الارتباك بأسلوبه المغامر، ولكنه فى نهاية الأمر سيجد كوابح قوية لعل أهمها أن هذه الارتباكات التى يثيرها ستمر فى نهاية الأمر بالمصالح الأمريكية التى يسعى إلى تحقيقها.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات