تداعيات الانتخابات الألمانية وسط ظروف متغيرة - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 5 مارس 2025 3:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تداعيات الانتخابات الألمانية وسط ظروف متغيرة

نشر فى : الثلاثاء 4 مارس 2025 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 مارس 2025 - 9:50 م

 أجريت الانتخابات الألمانية، المبكرة عن موعدها بنحو سبعة أشهر، فى 23 فبراير 2025، نتيجة احتدام الخلافات بين أحزاب الائتلاف الحكومى الذى كان معروفا بائتلاف «إشارات المرور» لأنه يتكون من الحزب الاشتراكى الديمقراطى، ورمز له باللون الأحمر، والحزب الديمقراطى الحر، اللون الأصفر، وحزب الخضر، اللون الأخضر. هذا إلى جانب عدم الرضا العام عن أداء الحكومة ورئيسها المستشار شولتس، وتراجع الأوضاع الاقتصادية وزيادة التضخم، وتحمل ألمانيا أعباء كبيرة بدعمها أوكرانيا فى حربها مع روسيا التى امتدت ثلاث سنوات، وما أدت إليه العقوبات الأمريكية الأوروبية على روسيا، خاصة صادراتها من البترول والغاز، إلى انخفاض واردات ألمانيا منها وارتفاع ملحوظ فى أسعار الطاقة.

أقبل الناخبون الألمان على الإدلاء بأصواتهم بنسبة عالية للغاية بلغت نحو 83% من إجمالى المسجلين فى جداول الانتخابات. ويرجع هذا الإقبال الكثيف إلى عاملين مهمين، أحدهما عدم الرضا العام عن حكومة شولتس والرغبة فى تغييرها، وثانيهما تصاعد التيار اليمينى المتطرف ممثلا فى حزب البديل من أجل ألمانيا، خاصة فى الولايات الألمانية الشرقية، حيث تضاعف مؤيدوه. واتهم فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد المسيحيين الديمقراطى، والاتحاد الاجتماعى البافاري، كل من الولايات المتحدة الأمريكية، ومجموعة روسية متطرفة، بالتدخل فى الانتخابات الألمانية بتأييد كل من نائب الرئيس الأمريكى فانس، وإيلون ماسك علنا حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى المتطرف، واتهام فانس لأوروبا بأنها لا تحترم الحرية والديمقراطية بفرض قيود على اليمين المتطرف. وادعت المجموعة الروسية المتطرفة أنه يتم التلاعب فى أصوات الناخبين الذين يدلون بأصواتهم عن طريق البريد.

وانتقد ميرتس الإدارة الأمريكية وأعرب عن صدمته من تصريحات ترامب بشأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا وأنه يقلب الأمور بوضع الجانى مكان الضحية وتبنيه رؤية الرئيس بوتين، وأن ثمة متغيرات قد تعيد رسم خريطة العالم. وأنه يتعين على ألمانيا أن تتولى مزيدا من المسئولية فى الاتحاد الأوروبى مرة أخرى، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من القوة الاقتصادية وإنهاء حالة الركود الاقتصادى المستتر فى ألمانيا.

• • •

جاءت نتائج الانتخابات قريبة من استطلاعات الرأى السابقة مباشرة على يوم الاقتراع. وحصل الائتلاف التقليدى المحافظ والمكون من حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى بزعامة ميرتس، والحزب الديمقراطى المسيحى البافارى، على نحو 29% من الأصوات واحتل المركز الأول الذى يؤهل ميرتس لتولى تشكيل الحكومة الجديدة، واحتل حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى المتطرف بزعامة أليس فايدل المركز الثانى بحصوله على 20,8%، بينما حصل الحزب الاشتراكى الديمقراطى بزعامة أولاف شولتس على 16,41% ليحتل المركز الثالث، وقال شولتس أنها نتيجة مريرة للحزب، وحصل حزب الخضر على 11,61% ليشغل المركز الرابع، وحصل حزب اليسار على 8,8%، بينما لم يكمل الحزب الديمقراطى الحر الحد الأدنى 5% لدخول البرلمان، حيث حصل على 4,33% من الأصوات، ونفس الشىء لأحزاب أخرى لن تدخل البرلمان.

أبدى ميرتس رغبة فى تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن قبل عيد الفصح فى 20 إبريل 2025، من أجل العمل على تجاوز ألمانيا أزمتها. ولكن مهمة تشكيل الحكومة هذه المرة صعبة للغاية، فبينما أعلنت أليس فايدل زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا الاستعداد للائتلاف مع ميرتس، إلا أن الأخير صرح بأنه لا يمكن إشراك حزب البديل فى ائتلاف الحكومة، ومعروف أن هذا الحزب يؤيد روسيا فى حربها على أوكرانيا. ومن ثم بدأ ميرتس محادثات مع شولتس من أجل انضمام الحزب الاشتراكى الديمقراطى إلى الحكومة الجديدة. ولكن هذا يتطلب تجاوز عدة خلافات بينهما حول عدة موضوعات مهمة مثل الهجرة، فبينما يرى الحزب الاشتراكى الديمقراطى أن ألمانيا فى حاجة إلى مهاجرين خاصة الشباب لتعويض ارتفاع نسبة كبار السن وقلة المواليد، وأنه يمكن تقنين الهجرة وفقا لاحتياجات سوق العمل فى ألمانيا، فإن حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى يتفق مع حزب البديل بوقف الهجرة وإعادة المهاجرين إلى بلادهم لأن بقائهم سيؤدى إلى تغيير فى التركيبة الاجتماعية والثقافة العامة الألمانية. وخلاف أساسى آخر بشأن لجوء ألمانيا إلى القروض الخارجية للمساعدة على الخروج من الركود والأزمة الاقتصادية، وهذا يخالف الدستور الألمانى الذى لا يسمح للحكومة بالاقتراض إلا فى حالات الطوارئ. وسبق أن طلب شولتس تعديل الدستور للسماح بالاقتراض، وهو ما اعترض عليه بشدة الحزب الديمقراطى الحر الذى كان مؤتلفاً معه وحزب الخضر فى الحكومة، وهو ما أدى إلى استقالة الحكومة والتبكير بالانتخابات التى لم تكن فى صالح أى من الحزب الاشتراكى الديمقراطى، والحزب الديمقراطى الحر الذى خسر ولن يدخل البرلمان. ويبقى موضوع تعديل الدستور أحد البنود الصعبة فى التفاوض لتشكيل الحكومة الجديدة لما لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى من تحفظات قوية على هذا الموضوع، إلى جانب اختلافات أخرى بينهما بشأن السياسة الاجتماعية والضريبية والنقل.

• • •

بافتراض حدوث توافق على الائتلاف بين الحزبين الكبيرين، فلن تكون لهما أغلبية مريحة فى البرلمان لأن إجمالى ما لهما من مقاعد يمثل 45% من إجمالى مقاعد البرلمان. لذا قد تجرى مفاوضات مع الخضر أو غيرهم للانضمام إلى الائتلاف الحكومى. ويبقى فى الأفق احتمال إعادة الانتخابات بعد فترة قصيرة. وإن كان من المتوقع التوصل إلى مواءمات بين الحزبين الكبيرين لمواجهة التحديات الكبيرة داخليا بأزمة اقتصادية وتصاعد قوة اليمين الألمانى المتطرف، وخارجيا بسياسات اليمين الأمريكى الجديد بزعامة الرئيس ترامب وما تفرضه سياساته من مزيد من التحديات الاقتصادية والأمنية بالنسبة لألمانيا وأوروبا، سواء فيما يتعلق بالموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا وكيفية إنهائها، أو بالتوجه نحو سياسة الحماية الجمركية بفرض رسوم جمركية على الحلفاء وغير الحلفاء، تحت شعار أمريكا أولاً، أو مطالبة الدول أعضاء الناتو بمساهمة كل دولة فى ميزانية الحلف بنسبة 5% من إجمالى الناتج القومى المحلي، وهو ما يمثل عبئا كبيرا صعب الاستجابة له، وأقصى نسبة دفعتها بريطانيا 2,5% سنويا أى ما يعادل نحو 30 مليار جنيه استرلينى فى السنة، بينما ظروف ألمانيا الاقتصادية لا تسمح بزيادة مساهمتها بأكثر من 2% سنويا أو أكثر قليلا.

لذا تحدث فريدريش ميرتس عن ضرورة أن تعتمد أوروبا على تكوين وتعزيز قوتها الدفاعية الأساسية وتستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية. ذلك لاعتماد ألمانيا على المظلة النووية لحلف الناتو. وتوجد فى ألمانيا نحو 40 قاعدة عسكرية أمريكية، بعضها مزود بأسلحة نووية. وتخشى ألمانيا من احتمالات سحب واشنطن لهذه الأسلحة، حيث لا يسمح الدستور الألمانى بامتلاك أسلحة نووية ألمانية. ومن ثم، فإن ميرتس سيعمل على ترميم العلاقات الألمانية الأمريكية، وإزاء حالة عدم اليقين تجاه سياسة الرئيس ترامب وما يتخذه من قرارات مفاجئة، فإن أول زيارة خارجية لميرتس بعد تشكيل الحكومة الجديدة ستكون إلى كل من فرنسا وبولندا، والدعوة إلى محادثات بين بريطانيا وفرنسا، الدولتين النوويتين فى أوروبا، لبحث التعاون فى مجال الدفاع عن أوروبا، فى ظل التقارب بين واشنطن وموسكو وسعيهما لفرض تسوية سياسية للحرب على أوكرانيا. وقد أبدى الرئيس الفرنسى ماكرون استعداد فرنسا لنشر مظلة نووية فى ألمانيا إذا تغير الموقف الأمريكى من حلف الناتو والتعاون العسكرى الأوروبى الأمريكى.

• • •

وتتخذ ألمانيا مواقف سياسية متوازنة تجاه قضايا وأزمات الشرق الأوسط، وكان انحياز المستشار شولتس لإسرائيل فى حربها على قطاع غزة واضحا، إلا أنه فى الفترة قبل وأثناء الانتخابات الألمانية، أيد وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني، ورفض طرح الرئيس ترامب بتهجير سكان غزة إلى أماكن أخرى وإعادة تعمير غزة لتصبح ريفييرا الشرق الأوسط، ووصف الاقتراح بأنه «فضيحة مدوية». ويتوافق موقف ألمانيا بصفة عامة مع الاتحاد الأوروبى بأهمية حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وفقاً للشرعية الدولية، ولم تعترف ألمانيا بالدولة الفلسطينية حتى الآن، وينتظر أن تستمر الحكومة الألمانية الجديدة فى اتباع نفس الموقف.

إن الحكومة الألمانية الجديدة أمامها عدة تحديات ابتداء من تشكيلها، ومواجهة الأزمة الاقتصادية، وتداعيات التسوية الروسية الأمريكية للحرب الأوكرانية، ومواجهة تقلبات السياسة الأمريكية فى عهد ترامب، وتحدى اليمين الألمانى المتطرف المتصاعد بقوة فى السنوات الأخيرة.

 

   

 

 

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات