تركيا والإدارة الجديدة فى سوريا - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 20 فبراير 2025 9:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تركيا والإدارة الجديدة فى سوريا

نشر فى : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م

لقد اضطلعت تركيا بدور رئيسى فى دعم الفصائل المسلحة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية. ولم يتوقف هذا الدعم بعد الانهيار والسقوط المفاجئ للنظام السورى السابق، بل أخذ عدة اتجاهات، منها ما يخص المصالح التركية وأهدافها الأمنية المعلنة منذ فترة طويلة عن أهمية وضرورة تأمين الحدود التركية السورية بإعادة ترتيب الأوضاع فى شمال سوريا، ومنها ما يتصل بإعادة هيكلة الدولة السورية ومؤسساتها السيادية على أسس جديدة بالتعاون والتنسيق مع الإدارة السورية الانتقالية.

توافد على دمشق منذ 8 ديسمبر 2024، تاريخ سقوط نظام بشار الأسد، كبار المسئولين الأتراك ابتداء من وزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، ووفد من وزارة الدفاع التركية، وعقدوا عدة لقاءات على فترات متتالية مع الرئيس السورى الجديد أحمد الشرع حتى قبل أن يعلن اختياره رئيسًا، ومع وزير الخارجية أسعد الشيبانى، ورئيس المخابرات السورية أنس خطاب. كما زار أنقرة وفد سورى مكون من وزير الدفاع، والخارجية، ورئيس المخابرات، والتقوا مع نظرائهم الأتراك ومع الرئيس أردوغان. وكانت زيارة الرئيس أحمد الشرع لتركيا هى الثانية فى أولى زياراته الخارجية بعد أن زار السعودية، حيث تمت الزيارة يوم 4 فبراير 2025 بدعوة من الرئيس أردوغان. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة حيث تم خلالها الاتفاق على عدة موضوعات، وبدء مناقشات على أعلى مستوى بين البلدين حول موضوعات بالغة الأهمية.

أكد الرئيس أردوغان على استعداد تركيا لتقديم الدعم للإدارة السورية الجديدة فى محاربة التنظيمات الإرهابية، والحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، والعمل على تثبيت الأمن والاستقرار فيها. واتفاقه مع الرئيس الشرع على تحقيق السلام فى سوريا، وما سيتخذ من خطوات ضد التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضى السورية، سواء حزب العمال الكردستانى، أو وحدات حماية الشعب الكردية السورية، أو داعش وغيرها، وتأكيده توفر إرادة قوية للقضاء على هذه التنظيمات بالتعاون المشترك، لجعل المنطقة خالية من الإرهاب. وضرورة احتضان الإدارة السورية الجديدة جميع مكونات الشعب السورى. واستعداد تركيا لدعم سوريا فى إعادة الإعمار. وأشار أردوغان إلى أن استمرار العقوبات الغربية على سوريا يشكل عقبة أمام نهضتها الاقتصادية، وأن جهود تركيا مستمرة لرفع هذه العقوبات، وقد تم رفع بعضها خاصة بالنسبة للمساعدات الإنسانية. ونوه إلى أهمية دعم العالم الإسلامى لسوريا فى المرحلة الحالية. وأشار إلى أن الشعب السورى أصبح حرًا بعد نحو 13 سنة من المعاناة وسفك الدماء والظلم على يد النظام السابق، وأنه سيعمل على تفعيل العلاقات بين تركيا وسوريا إلى المستوى الاستراتيجى، وأن زيارة الرئيس الشرع تاريخية وبداية لمرحلة جديدة فى العلاقات بين البلدين، وأنه سيتم تطوير هذه العلاقات فى المرحلة المقبلة فى مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والأمنية، والثقافية.

قدم الرئيس الشرع لتركيا الشكر شعبًا وحكومة على وقوفهم إلى جانب الشعب السورى وقفة تاريخية، وفتح الأبواب لاستقبال ملايين المهاجرين السوريين (نحو 3,5 مليون لاجئ) واستمرار هذا الدعم لإنجاح القيادة الحالية لسوريا سياسيًا واقتصاديًا، بما يضمن استقلال ووحدة الأراضى السورية وسلامتها. وامتداد العلاقات بين البلدين جغرافيًا واجتماعيًا، وتفاعل تركيا مع الثورة السورية، رغم ما تواجهه تركيا من صعوبات، وأن هذه العلاقات ستتحول إلى علاقة استراتيجية عميقة فى جميع المجالات لتحقيق الازدهار للشعبين التركى والسورى، فقد بدأ العمل على ذلك فى مختلف الملفات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية، وإعادة الإعمار، وبناء مشاركة لمواجهة التهديدات الأمنية فى المنطقة بما يضمن أمن سوريا وتركيا. وثمة تهديدات لأمن سوريا ووحدة أراضيها فى شمال شرقى سوريا، وضرورة الضغط على إسرائيل للانسحاب من المنطقة العازلة فى جنوب سوريا، وتطبيق اتفاق 1974 بين سوريا وإسرائيل.

• • •

تجدر الإشارة إلى أنه، مع حديث الرئيسين التركى والسورى عن استقرار وأمن وسيادة سوريا واستقلالها، توجد قوات تركية بعمق نحو 30 كيلومترا وبطول نحو 90 كيلومترا على الحدود داخل الأراضى السورية، تساند عسكريًا الجيش السورى الوطنى (إحدى الفصائل السورية المسلحة المنشقة عن الجيش السورى سابقًا) فى حربها ضد القوات السورية الديمقراطية (قسد) الكردية، والتى تطالب تركيا بأن تسلم أسلحتها للسلطة السورية الجديدة وتندمج فى مؤسسات الدولة السورية، أو أن تتولى السلطة السورية القضاء عليها. والاشتباكات مستمرة فى شمال سوريا حتى الآن بين قسد وفصيل الجيش الوطنى السورى، بدعم القوات التركية فى الأراضى السورية.

تعارض كل من واشنطن وفرنسا ما تنويه تركيا من شن هجوم مسلح على القوات الكردية السورية، وتريان أن هذه القوات الكردية كان لها دور مهم فى التعاون الفعلى مع التحالف الدولى لمحاربة داعش، كما أنها تحظى بدعم عسكرى بالتسليح والتدريب الأمريكى عن طريق القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة فى سوريا. بينما ترى تركيا أن دور القوات الكردية السورية أصبح قاصرًا على حراسة «مخيم الهول» فى شمال سوريا والذى يضم عشرات الآلاف من أسر وعناصر داعش الذين ترفض البلاد التى يحملون جنسيتها عودتهم إليها، باستثناء العراق الذى قبل مؤخرًا عودة الآلاف من أسر وعناصر الدواعش العراقيين. وترى تركيا أنه يمكن تدبير حراسة لمخيم الهول بدلاً من القوات الكردية السورية. وتأمل تركيا فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى ترامب أن تنسحب القوات الأمريكية من سوريا وتوقف دعمها للقوات الكردية السورية.

اتهمت قيادة القوات السورية الديمقراطية الكردية (قسد) تركيا بعرقلة الحوار الإيجابى بينهم والإدارة السورية فى دمشق، حيث تضغط تركيا عليها لمنع التوصل لاتفاق، رغم توصلهما إلى اتفاق على الكثير من النقاط القوية خاصة بالنسبة للمناطق السورية التى تسكنها أغلبية كردية، وأن القوات الأمريكية فى سوريا تظهر عزمها على استمرار العمل مع قسد لمحاربة داعش. ويتمسك الأكراد السوريون حتى الآن بقيام دولة سورية فيدرالية يحتفظون فيها بإدارتهم الذاتية التى أقاموها منذ نحو 12 سنة فى مناطق تمركزهم، وهو ما ترفضه تركيا بشدة.

أوضحت وزارة الدفاع التركية أنها ستستجيب لمطالب الإدارة السورية الجديدة لتطوير الجيش السورى، وتوفير الأسلحة والتدريب العسكرى، والعمل المشترك فى مكافحة الإرهاب. وقد تردد أنه، أثناء زيارة الرئيس الشرع لتركيا، أنه قد أثير موضوع إقامة قاعدتين عسكريتين تركيتين فى سوريا، مزودتين بنحو 50 طائرة فانتوم 16 لتكون بمثابة سلاح جوى للإدارة السورية الجديدة إلى أن تعيد بناء أسطولها الجوى الجديد الذى دمرته إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد مباشرة، والسماح لتركيا باستخدام المجال الجوى السورى لأغراض عسكرية، وحماية المجال الجوى السورى من أى هجمات فى المستقبل. ولم تؤكد أو تنفى تركيا ذلك وإنما نوهت بأهمية تناول الموضوع فى سياقه ومضمونه بصورة أكثر دقة.

• • •

الحقيقة أنه، إذا تم ذلك، يصبح لتركيا مكانة عسكرية قوية فى سوريا بقوات أرضية فى شمالها، وقوات جوية فى سمائها، وتدريب وتسليح للجيش السورى. هذا إلى جانب ثقلها السياسى ودورها فى عملية إعادة الإعمار التى تعطيها تركيا أهمية خاصة لأنها تساعد على تسريع إعادة المهاجرين السوريين من تركيا والذين يمثلون عبئًا كبيرًا عليها ومعارضة شعبية لاستمرار بقائهم فى تركيا.

أصبح الوجود التركى فى سوريا قويًا وفعالاً، ورغم امتنان الإدارة السورية الجديدة لما قدمته تركيا، وما تزال، من دعم ومساعدات قبل وبعد سقوط نظام الأسد، إلا أنها تسعى بدأب وهدوء إلى تحقيق نوع من التوازن بتقوية العلاقات مع السعودية والعراق وفرنسا ودولاً أخرى، وفتح حوار مع كل من روسيا وإيران، ومع ذلك سيبقى الوجود والنفوذ التركى فى سوريا قويا لفترة غير قصيرة. 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات