المتاحف العربية.. واقع مؤلم ومستقبل غامض - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المتاحف العربية.. واقع مؤلم ومستقبل غامض

نشر فى : الإثنين 4 مارس 2019 - 9:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 مارس 2019 - 9:55 ص

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «خالد عزب» حول مشكلات المتاحف فى الدول العربية، والتى تتمثل فى غياب عِلم خاص بها «عِلم المَتاحِف» وافتقار أغلبية الدول العربية إلى قانون ينظِم عمل المتاحف.
يزيد عدد المَتاحف فى الوطن العربى على 1000 متحف، لكن افتقارنا إلى إحصاء دقيق عن عددها الفعلى يُثير الأسف. وتتركَز هذه المتاحف فى عددٍ من الدول. فمصر تمتلك ما يزيد على مئتَى متحف، ثم تليها العراق والسعودية والمغرب والجزائر، فيما تفتقر بعض الدول العربية إلى الحد الأدنى من المعلومات عن متاحفها، وذلك على الرغم من الاهتمام المُتزايِد بالمَتاحِف فى العقد الأخير.
إن أولى مشكلات المتاحف فى الوطن العربى هى غياب عِلم خاص بها «عِلم المَتاحِف». فعددُ المتخصصين فيه محدود، ويكاد لا يتجاوَز عدد أصابع اليد الواحدة؛ لكن الأغلبية العامِلة فى هذا المجال اكتسبت خبراتها من خلال عملها المَيدانى، وعبر الاحتكاك بتجارب دولية. لذا، فإن اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمَتاحف بدأَت مشروعا طموحا لتوطين عِلم المَتاحف فى الوطن العربى عبر سلسلة كراسات مَتحفية، وهى سلسلة أوراق بحثية تتناول جوانب متعددة لهذا العِلم أو عبر ترجمة أمهات كُتب هذا العِلم، أو عبر الدورات التدريبية التى يُشرف عليها خبراء دوليون. على جانبٍ آخر، هناك تجربتَان مُثيرتان فى هذا المجال. الأولى عائدة إلى جامعة حلوان فى مصر، والتى أقرَت دبلوما فى عِلم المَتاحف بدأت ثمراته تؤتى أكلها، والثانية عائدة إلى معهد الشارقة للتراث، الذى أقرَ دبلوما آخر للمَتاحف.
المشكلة الثانية فى هذا السياق تتمثل فى افتقارنا إلى قانون ينظِم عمل المتاحف فى أغلبية البدان العربية. وتُعَد المَملكة المغربية الأكثر تقدما بخطوات على هذا الصعيد. فقد صَدر مرسومٌ ملكى فى 31 يناير 1995 يقضى بتنظيم عمل المَتاحف التابعة لوزارة الثقافة المغربية، ثم تَبعه مؤخرا إنشاء هيئة مستقلة للمتاحف. يلى ذلك تجربة المَملكة العربية السعودية، التى نظَمت عمل المَتاحف وإدارتها فى المَملكة عبر هيئة السياحة والآثار، الأمر الذى انعكَس إيجابا على عمل المَتاحف وعلى زيادة عددها فى السنوات الأخيرة.

أصل الأزمة
تعود أزمة المَتاحِف العربية إلى افتقار السلطات العربية، على مدى السنوات الأربعين الماضية، إلى سياسة واضحة فى إنشاء المَتاحف، بمعنى افتقارها إلى إجابات واضحة عن التساؤلات الآتية: متى نفكِر فى أن نُنشىء متحفا جديدا؟ وما الغَرَض من هذا المتحف بالتحديد؟، وأين يُفترض أن يكون موقعه المكانى؟ وما هى التكلفة المُتوقَعة؟ ومن أين نوفِر النفقات الضخمة؟، وما هى الفئات المُستهدَفة من إنشائه؟
هناك قصورٌ عربى إذا فى فهْم ماهية المتحف؛ كما أن غياب الرؤية، فالقانون، فالخبراء، أدى إلى قصورِ دَور المتحف فى البيئة العربية؛ فالمتحف باختصار هو مرآة لتقدِم الدول والشعوب. إنه صورة عن أمةٍ ما، وعن تاريخها وحضارتها. وبذلك تقوم المَتاحف بالمُحافظة على هذه الصورة، فضلا عن دَورها فى الارتقاء بالحس الفنى بشكلٍ خاص وبالذَوق العام. فالمتحف هو ذلك الحارِس الأمين للهوية الوطنية وللثقافة المُشترَكة والمُتعاقِبة للأمة عبر العصور، وهو بذلك يؤدى دَور الوسيط الذى ينقل هذا كله إلى الأجيال القادِمة. ومن هنا يَعتبر كثيرون أن المتاحف هى «مظهر رقى الأُمم ومِقياس تقدمها وحضارتها».
وتُعَد المَتاحف وعاء للتراث الإنسانى، وذلك لما تحتويه من مُقتنياتٍ مادية وغير مادية، معروضة وفق تسلسلٍ ما (تاريخى ــ فنى ــ موضوعى... إلخ). وبالتالى، لا بد من أن يُدرِك القائمون على إدارة سياسات المَتاحف أن هذه الأخيرة ليست حكرا على الدولة، وأنه يصعب على أى دولة القيام بهذا الدَور بمفردها، لذا تتوزَع ملكيات المتاحف بين تلك المملوكة للدولة، وتلك المَملوكة للمجتمع المدنى، وتلك المملوكة للأفراد. غير أننا نلحظ فى المقابل أن دولا عربية مثل العراق واليمن وموريتانيا والجزائر وليبيا وجيبوتى والسودان ليس لديها لجان عربية للمَتاحف، وأنها بالتالى ليست عضوة فى المجلس الدولى للمَتاحف ولجانه فى باريس، وهذا ما يفسِر جانبا من العزلة العربية فى مجالات المَتاحف وعلومها.
المتاحف نافذة المجتمعات المُعاصرة على قضاياها
يتنافس عددٌ كبير من مُدن العالَم فى عدد المتاحف التى تمتلكها؛ إذ تُعتَبر هذه المتاحف أيضا مؤسسات جاذِبة للسياح، ومن هنا سبب اهتمام المُدن بها معماريا، حيث تُعَد مَبانيها علامات مميِزة للمُدن، مثل المتحف البريطانى فى لندن، ومتحف اللوفر فى باريس، والارميتاج فى بطرسبرغ، والمتحف المصرى الكبير فى القاهرة، ولوفر أبو ظبى. وتختار المُدن هذه المنشآت بعناية كبيرة، لكن للأسف معظم بنايات المتاحف العربية ضعيفة من ناحية تصاميمها المعمارية، ولا تمثِل علامات مميِزة لمُدنها، بل إن محطات التلفاز ترى فى مبانى بعض الفنادق علاماتٍ مميِزة لمُدنها.
ولعل أكثر ما يُثير الانتباه هو أن المتاحف ومقتنياتها فى أوقات الأزمات السياسية قد تمثِل أداة لتحسين صورة البلد أو للدعاية له أو لجلْب مَوارد له. فبعد نكسة العام 1967 مثلا، طافت مجموعة توت عنخ آمون من المتحف المصرى فى القاهرة أوروبا، فساعَدت على تعزيز مَوارد مصر والدعاية لها، فيما أدى تنقل مجموعة دار الآثار الإسلامية فى الكويت فى دول عديدة إلى إثارة دهشة الزوار، وإلى اعتبارها رمزا لاهتمام الكويت بالفنون.
هنا تبرز المَتاحف كأداةٍ للتعبير عن الهوية الوطنية، وغرسها لدى الأجيال الجديدة فى صورة ناعمة تتسرَب لهم عبر حكايات يقدِمها المُرشِد فى المتحف. فوراء كل قطعة معروضة حكاية، ووراء كل قاعة حكايات ممزوجة بالفن، فيتشرَبها الأطفال والناشئة بوصفها تاريخهم الوطنى، ولاسيما أنه تُترَك لهم أحيانا حرية التعبير عن هذه القطع رسما، أو كتابة. ولعل تعريف «المجلس الدولى للمَتاحف» ICOM(2007) للمتحف بوصفه «مؤسسة غير هادفة للربح، دائمة الخدمة للمجتمع وتطوره، مفتوحة للجمهور، (...) تتواصل وتعرض التراث البشرى المادى وغير المادى وبيئته لأهدافٍ تعليمية ودراسية ترفيهية» لم يَرد عن عبث.
هنا تبرز التربية المَتحفية وبَرامج المتاحف التفاعلية كأداة لتعليم الأجيال الجديدة، حيث يجرى فى الحاضر استدعاء التاريخ. ومن هنا أهمية قيام المَتاحف ببرامج تدريبية للجمهور فى مجالات عدة، منها الفن الإسلامى مثلا.
ولطالما أظهرت الدراسات الاستقصائية التى أجريت على مدى السنوات الثلاثين الماضية فى عدد من الدول الغربية أن توقعات زائِرى المَتاحف لا تزال مستقرة إلى حد ما، ويُمكن تلخيصها على النحو التالى: «للتعلم والمتعة«؛ غير أننا فى المنطقة العربية نفتقد إلى مثل هذا النَوع من الدراسات حول زوار المَتاحف ورغباتهم. كما كشف مسحٌ عائد للعام 2012 قامت به الإدارة العامة للتراث فى وزارة الثقافة الفرنسية هناك أن الوصول إلى المعرفة هو ما يتوقعه الزوار، فى حين تأتى التجربة الجمالية فى المرتبة الثانية. وإلى جانب هذَين الهدفَيْن الحاسمَيْن اللذَين ذكرهما الزوار عند زيارة أى متحف، ثمة دافِعان آخران أقل ذكرا هُما: «التآزر والاستمتاع» و«التسلية والترفيه». وبالنسبة إلى جميع أنواع زوار المتاحف، تبرز مهام مثل «التراث وحفظ الذاكرة»، و«نقْل المَعرفة»، و«تقاسُم الثقافة الديمقراطية»، و«عرْض الأعمال الاستثنائية» كمهامٍ اجتماعية للمَتاحف يُشار إليها باستمرار على أنها توقعات رواد المَتاحف من زيارتهم لها.
أخيرا، لا بد من الإشارة إلى الصعود المُتنامى دوليا للمتاحف الاثنوجرافية. فهذا النَوع من المتاحف يساعد على التشبُع بالصورة الذهنية للثقافات الإنسانية، المحلية والدولية، وفهْمها، ومن ثمة على تقديم حلول كثيرة لمشكلات ثقافية مؤقتة؛ إذ تمثِل المتاحف الاثنوجرافية نَوعا من المُحاكاة لواقع لم نعشه فى وقتنا الحاضر، وتشكِل أداة حقيقية لمُعالَجة مشكلات ثقافية. لكنْ إلى الآن هذه الأداة غير مُستخدَمة عربيا بعد.

النص الاصلى:
https://bit.ly/2EGFD6x

التعليقات