تذكرة المتحف المصرى الكبير - محمد علاء عبد المنعم - بوابة الشروق
الأربعاء 11 ديسمبر 2024 9:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تذكرة المتحف المصرى الكبير

نشر فى : الثلاثاء 4 يونيو 2024 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 يونيو 2024 - 8:10 م

هالنى أن أعرف سعر تذكرة دخول المتحف المصرى الكبير.. سعر التذكرة للمصريين 350 جنيها، والسعر للأطفال 200 جنيه.
الحد الأدنى للأجور فى مصر ستة آلاف جنيه، علمًا بأن هذا المبلغ يشمل حصة صاحب العمل فى اشتراكات التأمينات الاجتماعية، أى أن الحد الأدنى للمبلغ المالى الذى يصل جيوب المستفيدين من الحد الأدنى للأجور سيكون أقل من ستة آلاف.
وبفرض أن الحد الأدنى هو ستة آلاف جنيه، سيمثل سعر التذكرة فى هذه الحالة حوالى 6% من الحد الأدنى للأجور.
فإذا أراد مواطن مصرى أن يصطحب زوجته واثنين من الأبناء (هذا المواطن ملتزم بمبادرة وزارة التضامن «اتنين كفاية»)، سيكون عليه أن يدفع 1100 جنيه، أى حوالى 18% من الحد الأدنى للأجور فقط لدخول المتحف.
إن الواجبات تأتى مع الحقوق، ولا أعرف كيف يمكن أن نطالب البعض بالالتزام بواجباتهم دون الحصول على حقوقهم.
فى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كان سن التصويت 21 عامًا حتى عام 1971، ثم تم تخفيضه إلى 18 عامًا، فقد كان التجنيد وقتها إلزاميًا من سن 18 سنة، وكانت هذه هى فترة حرب فيتنام، ولم يكن من المنطقى أن يطلب المجتمع من شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عامًا أن ينضموا إلى الجيش ويذهبوا للحرب والموت فى فيتنام دون أن يكون لهم حق التصويت. وكانت هذه هى خلفية التعديل الدستورى رقم 26 فى الولايات المتحدة الذى خفض سن التصويت فى الانتخابات من 21 إلى 18 عامًا.
بنفس المنطق، ليس من العقل أو الحكمة أن نحرم الأسر المصرية من الاستمتاع والتعرف على تاريخ بلدهم فى المتحف المصرى الكبير بسبب القدرة المادية.
وربما لا يقتصر هذا الحرمان على الحاصلين على الحد الأدنى للأجور، بل يشاركهم فيه كثير من الموظفين وأساتذة الجامعات والفنيين.
• • •
دخول كثير من المتاحف حول العالم يكون مجانيًا، أو بأسعار مخفضة، وتذاكر المتحف المصرى فى التحرير مخفضة ومعقولة إلى حد كبير للمصريين.
أمضيت أكثر من عقد من الزمان فى العاصمة الأمريكية واشنطن طالبًا وباحثًا وأستاذًا جامعيًا. وكان من الأمور المحببة إلى قلبى أن أذهب خلال أشهر الربيع والصيف إلى منطقة متاحف الـSmithsonian، وهى منطقة شاسعة من المساحات الخضراء تضم عددًا كبيرًا من المتاحف المفتوحة مجانًا للجميع، بينما يتطلب القليل منها دفع مقابل مادى. وتعتمد هذه المؤسسة الهامة، Smithsonian Institution، على التمويل الفيدرالى والتبرعات.
يوجد بالطبع كثير من المتاحف حول العالم تفرض رسومًا للدخول، وهى رسوم يجب أن ترتبط فى جميع الأحوال بمستويات الدخل مع الالتزام بإتاحة الحق فى الثقافة للجميع دون تمييز.
ولا أذيع سرًا حين أقول إننى أتخوف من مصير تذكرة حديقة حيوان الجيزة بعد أن عرفت سعر تذكرة المتحف المصرى الكبير.
• • •
قد يطرح البعض أن السعر المبالغ فيه لتذاكر المتحف المصرى الكبير يرجع إلى معادلة اقتصادية تهدف إلى سداد قيمة القرض اليابانى المستخدم فى إنشاء المتحف، وتمويل مصاريف الصيانة والأبحاث... إلخ. وهى أمور مردود عليها.
فالثقافة وتعزيز الانتماء من القيم التى تمولها الحكومات، ويمكن أن يتم تقييم قيمتها ماديًا. وقد دعمت الدولة فى مصر أعمالاً فنية هامة هدفت إلى توثيق التاريخ الحديث ورفع قيم الولاء والانتماء للوطن.
أعتقد أن القيمة الثقافية للمتاحف ورمزية إتاحتها أمام جميع المصريين دون تمييز، والقدرة من خلالها على الوصول إلى الأطفال والشباب لتأكيد انتمائهم إلى هذا الوطن من الأمور الهامة التى يمكن تقييمها ماديًا، وينبغى أن تستثمر فيها الدولة بالدعم والإتاحة للجميع، خاصة أن الأفلام والمسلسلات التى تتناول البطولات العسكرية ربما لا يستسيغها الجميع، وهى بطبيعة الحال غير مناسبة للأطفال.
يمكن فتح الباب لتلقى التبرعات من زوار المتحف والمؤسسات الخاصة والاجتماعية.
والمتاحف تقوم بدور بحثى بالإضافة إلى دورها الترفيهى والثقافى، لذا من الممكن أن تجتذب تبرعات من جهات دولية وليس فقط محلية.
قيمة تذكرة دخول المتحف المصرى الكبير أعلى بكثير لغير المصريين، فهى 1200 جنيه للبالغين، و750 جنيها للطلاب والأطفال.
ولكن هذه المبالغ تصبح زهيدة إذا ترجمناها للدولار، فيصبح سعر التذكرة للبالغين حوالى 26 دولارًا، و16 دولارًا للطلاب والأطفال.
هذه المبالغ معقولة جدًا للأجانب والأخوة العرب، ويمكن زيادتها فى حدود 2 ــ 4 دولارات (حوالى 93 إلى 187 جنيها) فى مقابل تخفيض التذاكر للمصريين. وعلينا أن نتذكر أن تخفيض قيم التذاكر للمصريين سيترجم إلى عدد أكبر من الزيارات وفق قانون العرض والطلب، ما يعنى دخلاً أكبر للمتحف.
سنجد طبعا من يقول إن رفع سعر التذكرة يهدف إلى ضمان مستوى معين من الزوار المصريين حفاظًا على المتحف، وأن عموم المصريين يمكن أن يكتفوا بدخول المتحف المصرى بالتحرير أو متحف الحضارة.
هذه المقولات الطبقية سارت للأسف الشديد متداولة ومألوفة، وهى تذكرنا بعدد من التحقيقات والمقالات الصحفية التى انتقدت سلوكيات المصريين على الموائد المفتوحة (الأوبن بوفيه) فى الفنادق، ونسيت أو تناست ضعف أو غياب الاشتراطات الصحية فى بعض هذه الفنادق، وغيرهم ممن انتقدوا عدم التزام المصريين بارتداء الملابس المناسبة للشاطئ، وهى أمور سوغت للبعض الدفاع عن التمييز الطبقى، وغير الدستورى، ضد بعض المواطنين والمواطنات.
غاية ما يمكن قوله فى الرد على هذه الدعاوى أن الحفاظ على الأماكن العامة يرتبط أساسًا بالإدارة، بداية من التعاقدات الإنشائية، ووصولاً إلى الإدارة اليومية للمرفق.
• • •
اقترح أحد أعضاء مجلس الشيوخ الاتفاق مع المتاحف العالمية التى تحوى آثارًا مصرية لإعفاء المصريين من دفع تذاكر لزيارتها، فالمصريون لهم الحق فى مشاهدة آثار بلدهم فى أى مكان بالعالم، وهى الآثار التى خرجت بالسرقة والتحايل فى غفلة ممتدة من الزمن.
أقدر هذا الاقتراح، وأرى فيه رمزية وطنية وثقافية وحضارية هامة. ولكى يكون لهذا الطرح صدى خارجى، اقترح أن نبدأ بالمتحف المصرى الكبير.

محمد علاء عبد المنعم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
التعليقات