توقعات فشل محاولات واشنطن اللحاق بالقوة البحرية للصين - ابتهال أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 7 أبريل 2025 4:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

توقعات فشل محاولات واشنطن اللحاق بالقوة البحرية للصين

نشر فى : الأحد 6 أبريل 2025 - 5:40 م | آخر تحديث : الأحد 6 أبريل 2025 - 5:40 م

لطالما لعبت القوات البحرية دورًا مهمًا فى الحروب، وفى الغالب نتج عن خسارة المعارك البحرية خسارة الحرب بأكملها؛ حيث تسبب خسائرها أضرارًا تعجل بمزيد من الخسائر، ويمكن الاستدلال على ذلك ببعض الأمثلة من التاريخ. فبريطانيا قديمًا بفضل امتلاكها أقوى سلاح بحرية فى العالم تمكنت من الهيمنة على طرق التجارة ووسعت مستعمراتها، وظلت دون منافس دولى حقيقى حتى الحرب العالمية الثانية، وذلك حينما صعدت الولايات المتحدة لتكون أكبر قوة بحرية فى العالم؛ حيث حفزتها الخسائر التى منيت بها فى معركة بيرل هاربور لزيادة إنتاجها واستبدال سفنها البحرية المدمرة بأخرى جديدة، وهى القدرة التى لم تتوافر لليابان، بسبب قدراتها الصناعية المحدودة، وهو ما مكن الولايات المتحدة من تكبيد البحرية اليابانية سلسلة من الهزائم ساهمت فى الأخير فى إضعاف قوتها، وربما تعد معركة ميدواى البحرية (Battle of Midway) من المعارك الأبرز التى ساهمت فى هزيمة اليابان.
إلا أن هذه الريادة الأمريكية لم تدم طويلًا؛ إذ يشهد عصرنا الراهن تراجعًا أمريكيًا كبيرًا فى مجال صناعة السفن وتفوقًا ضخمًا وزيادة كبيرة فى قوة الصين البحرية. فعلى الصعيد العسكرى، وبحسب تصنيف جلوبال فاير باور حتى مارس 2025، تمتلك الصين حوالى 754 قطعة بحرية حربية، تضم حاملات طائرات، وحاملات المروحيات، وغواصات، ومدمرات، وفرقاطات، وكورفيتات، وسفن دوريات، وكاسحات ألغام، لتتفوق بذلك على الولايات المتحدة (440 قطعة بحرية حربية) وروسيا (419 قطعة بحرية حربية).
وعلى الصعيد التجارى، فإن الصين تعد أكبر دولة مالكة للسفن، ويأتى الأسطول التجارى الصينى فى المركز الأول بحجم حمولة يصل إلى حوالى 282.9 مليون طن، تليها اليونان بإجمالى حمولة تبلغ حوالى 254 مليون طن وفقًا للبيانات الصادرة حتى ديسمبر 2024. ووفقًا للتقرير الصادر عن شركة (Vessels Value) فى يناير 2025، بلغت قيمة الأسطول التجارى الصينى حوالى 225 مليار دولار، لتأتى اليابان فى المركز الثانى بأسطول تبلغ قيمته حوالى 206.3 مليار دولار، واليونان فى المركز الثالث، ثم الولايات المتحدة فى المركز الرابع بقيمة إجمالية بلغت حوالى 116.4 مليار دولار أمريكى.
وجدير بالذكر أنه فى الوقت الذى تمتلك فيه الصين حوالى 5500 سفينة تجارية، فإن الولايات المتحدة تمتلك حوالى 80 سفينة فقط (وفقًا لبيانات Wilson Center)، كما تفوق قدرة الصين فى بناء السفن على قدرة الولايات المتحدة بحوالى 232 مرة.
كما تتوسع الصين بحريًا لتأمين طرقًا بديلة تتجاوز قنوات الشحن التقليدية وتعزيز نفوذها على التجارة العالمية؛ فالصين تضخ استثمارات هائلة فى منطقة القطب الشمالى الغنية بالموارد والمعادن الهامة وطرق الشحن المستقبلية، وتعمل على تعزيز شراكتها مع روسيا، وتمتلك كاسحتى جليد تعمل على تطويرهما للعمل بالطاقة النووية، فضلًا عن خطط لبناء كاسحة جليد ثالثة، هذا مقارنة بما تملكه الولايات المتحدة من كاسحتى جليد يبلغ عمرهما عقود، وغير قادرتين على العمل على مدار العام لتنفيذ عمليات كسر الجليد فى منطقة القطب الشمالى.
• • •

على هذا النحو، تزايدت المخاوف بشأن القوة البحرية الصينية وتهديدها المحتمل للمصالح الأمريكية، وحذرت تحليلات من أن استمرار الولايات المتحدة فى تبنى نفس الوتيرة فى صناعة السفن، سيزيد من الفجوة بين البلدين، موضحين أن القدرات الصناعية الضخمة التى تمتلكها الصين فى مجال صناعة السفن منحتها تفوقًا كميًا وكيفيًا؛ ففى الوقت الذى أشار فيه البعض إلى أن الأرقام لا تعكس جودة أو قدرات السفن الصينية، لا سيما الحربية منها، فإن الإمكانات الهائلة للصين فى صناعة السفن تمكنها من التوسع بسرعة، أو استبدال ما يلحق بها من خسائر، والصمود لفترات طويلة أو حتى تجهيز السفن المدنية لدعم عمليات السفن العسكرية فى حال حدوث أزمات، وهو ما لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقه. إلى جانب هذا، فإن جودة التصميم وكفاءة السفن البحرية الصينية أصبحت تقترب بشكل كبير من مثيلتها الأمريكية، وتستطيع الصين بناء السفن فى نصف الوقت الذى تستغرقه أحواض بناء السفن الأمريكية حاليًا.
على سبيل المثال، تحتاج الولايات المتحدة إلى جداول زمنية طويلة لبناء السفن، لا سيما فيما يتعلق بتصاميم السفن الحربية الحديثة؛ إذ يستغرق بناء حاملة طائرات فى الولايات المتحدة الآن 11 عامًا، بينما يستغرق بناء غواصة هجومية نووية أو مدمرة 9 سنوات، وقد زادت هذه الجداول الزمنية فى الفترة الأخيرة بشكل كبير، وواجهت أحواض بناء السفن تحديات لتلبية الطلبات المتزايدة من البحرية الأمريكى، وذلك مع نقص العمالة الماهرة والقدرة على الاحتفاظ بهم. وعلى هذا النحو، فإنه فى حال اندلاع حرب، وتكبدت البحرية الأمريكية خسائر فادحة فى أسطولها، فإن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا قبل أن تتمكن القاعدة الصناعية الأمريكية من بناء بدائل، ناهينا عن توسيع الأسطول، وإذا فقدت حاملة طائرات فى معركة، فقد لا يتم استبدالها إلا لعقود، وهو ما يفاقم نقاط الضعف الأمريكية.
وفيما يتعلق بالأسطول التجارى، فتشير التحليلات إلى افتقار قطاع بناء السفن الأمريكى إلى القدرة على بناء الجيل الجديد من سفن الحاويات الكبيرة، أو ناقلات النفط، أو ناقلات البضائع السائبة. وعلاوة على هذا، نبهت التقديرات إلى تنافسية صناعة السفن الصينية؛ حيث يقدر سعر السفينة الصينية بحوالى 295 مليون دولار، وذلك مقارنة بالسفن الأمريكية التى تكون أغلى بنحو مرتين إلى أربع مرات، كما أن تشغيل سفينة أمريكية يكلف حوالى ضعف تكلفة السفن الصينية، مع تكاليف تتراوح بين 5 آلاف دولار يوميًا للسفينة الأصغر و10 آلاف دولار يوميًا للسفينة الأكبر، ومع وجود طلبات متأخرة على السفن الأمريكية، فإن فترات الانتظار قد تستغرق سنوات لبناء سفن حاويات جديدة،
• • •
فى ضوء هذا، تزايدت المخاوف بشأن تردى صناعة بناء السفن الأمريكية، وهو ما دفع ترامب إلى الإعلان عن عزمه إحياء صناعة السفن الأمريكية، وعن خطته إنشاء مكتب جديد لبناء السفن فى البيت الأبيض، فضلًا عن نيته تقديم حوافز ضريبية لتعزيز صناعة السفن فى البلاد. وفى ظل قلق ترامب من القفزة الهائلة فى الطلبات على السفن الصينية، أشارت الأنباء إلى قيام الولايات المتحدة بدراسة إمكانية فرض غرامات باهظة على سفن الحاويات المصنوعة فى الصين عند وصولها إلى الموانئ الأمريكية، فضلًا عن فرض رسوم على شركات النقل البحرى الصينية، وشركات النقل البحرى غير المملوكة للصين والتى تضم أساطيلها سفنًا صينية الصنع، إلا أن مثل هذا الإجراء سيؤدى إلى فرض رسوم على حوالى 98% من السفن التجارية التى ترسو فى الموانئ الأمريكية، وسيكون له عواقب وخيمة على المستهلكين والمنتجين الأمريكيين.
فمن جهة، فإن 21% من إجمالى البضائع التى استوردتها الولايات المتحدة فى عام 2024 وصلت على متن سفن صينية الصنع. ومن جهة أخرى، فإن مثل هذا القرار سيعرقل قدرة المزارعين على تصدير منتجاتهم خارج الولايات المتحدة، خاصة مع عدم وجود سفن أمريكية الصنع تناسب عمليات الشحن التجارى الدولى وقادرة على نقل البضائع الزراعية. علاوة على هذا، ستتأثر بشكل كبير الموانئ الأمريكية مع انخفاض عدد مرات توقف السفن، وستتأثر بالسلب الوظائف التى تدعم هذه الموانئ والمرتبطة بعمليات التخزين، وعمليات النقل بالشاحنات والسكك الحديدية وغيرها، كما ستشهد بعض الموانئ الأمريكية الرئيسة -التى تعانى بالفعل- حالات ازدحام واختناقات مع قيام شركات النقل البحرى باقتصار رسوها على تلك الموانئ لخفض التكاليف.
على هذا النحو، رأى البعض أنه بالنسبة للولايات المتحدة، لن يكون الحل هو محاولة مواكبة قدرة الصين فى بناء السفن التى تفوق الولايات المتحدة بمائتى مرة، ولكن قد تلجأ الولايات المتحدة إلى حلفائها لتعويض هذا النقص، خاصة كوريا الجنوبية واليابان ثانى وثالث أكبر دولتين لبناء السفن فى العالم على التوالى، وتتفوق الطاقة الإنتاجية المحلية لكل منهما على الولايات المتحدة؛ حيث تتميز أحواض بناء السفن هناك بتقنيات متطورة. كما يمكن للولايات المتحدة العمل على جذب الشركات الصناعية العملاقة فى كوريا الجنوبية واليابان للمساعدة فى إحياء أحواض بناء السفن الأمريكية. إلا أن هذا الحل يواجهه أيضًا بعض التحديات، لا سيما فى ظل ما أشار إليه أحد المسئولين اليابانيين من صعوبة قيام اليابان وكوريا لتسريع وتيرة بناء السفن لتلبية الطلب الأمريكي؛ وذلك فى ظل عمل قطاع السفن فى اليابان بكامل طاقته تقريبًا، فضلًا التحديات المالية التى تواجه كوريا الجنوبية.
على هذا النحو، تستبعد التقديرات قدرة الولايات المتحدة على اللحاق بقوة الصين البحرية، نظرًا لنقص أحواض السفن الأمريكية، ونقص العمالة والاستثمارات اللازمة للنهوض بمجال صناعة السفن. ومع قيام الصين بتطوير أسطول بحرى قادر على إبراز قوتها بعيدًا عن سواحلها، والسيطرة على الممرات التجارية، فمن المرجح أن نشهد تغيرات فى ميزان القوة لصالح الصين. ومن ثم، فإن الحرب التجارية التى يشنها ترامب على بكين، ومحاولاته منافسة الصين فى بعض الممرات التجارية الهامة مثل بحر الصين الجنوبى وقناة بنما، ربما لن تجدى نفعًا.

ابتهال أحمد باحثة في السياسة الدولية
التعليقات