ليسوا متشددين إسلاميين من شهروا تلك الدعوة، ولا هم رجال فى مجتمع تقليدى محافظ، بل هم مجموعة من علمانيى الجمهورية الفرنسية.
فهؤلاء، وبحسب ما تناقلت وسائل إعلام غربية، صفقوا بحماس وهم يتابعون مشهد الشرطة تطوق سيدة مسلمة مستلقية على البحر مرتدية البوركينى متجاهلة قرار بعض البلديات بمنعه.
إنها لمفارقة فظة أن يهتف جمهور «علمانى» لسيدة بأن عليها العودة إلى البيت. فالمشهد يشبه حكايات سيدات عربيات ومسلمات كثيرات حاولن خرق الحظر فى مجتمعاتهن حول ما يرتدين ويلبسن ليواجهن فى محيطهن وفى الطرق بمن يمنعهن ويصرخ فيهن أيضًا: «ُعْدَن إلى البيت». هنا بدت العلمانية بالصيغة الفرنسية أيضًا تحاول النيل من خيارات النساء، مهما كان موقفنا من تلك الخيارات.
فى الحقيقة، تصّدت وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعى وشخصيات غربية كثيرة لمهمة تقريع وتفنيد القرارات الفرنسية الأخيرة، التى تصيب عمق حرية خيار الفرد، وتحديدًا النساء، وهو ما يناقض كليًا الحريات التى قامت عليها الجمهورية الفرنسية، وأتى مجلس الدولة الفرنسى ليحسم الجدل وينتصر لحرية الفرد، ويعلق هذا القرار.
لكن ما بدا صادمًا هو ذاك الانقسام الذى عكسته شرائح من الرأى العام العربى والإسلامى حيال القضية، التى تراوحت ما بين مغتبط بانزلاقة فرنسية تعزز المواقف المسبقة التى تشيطن الغرب، وأخرى بالغت فى علمنتها وكرهها للذات على نحو تجاوز القرارات الفرنسية نفسها.
بدا الجدل العربى بشأن تلك السيدة عبثيًا، خصوصًا مع قول كثيرين إنه كان على تلك السيدة التى خلعت البوركينى بضغط من الشرطة أن تذهب إلى بيتها، بل هناك من طرح سؤالاً حول لماذا أتت السيدة إلى الشاطئ فى بادئ الأمر. تناسى هؤلاء «العلمانيون» أن مجرد خروج سيدة والاستمتاع بالبحر جنبًا إلى جنب مع مجموعات لا تشبهها هو كسر لدائرة الخاص، أى البيت والمجتمع المحكم من حولها. ففتيات الجاليات المسلمة الملتزمة لسن جميعهن حرات فى ارتياد الشواطئ، حتى ولو كان ارتيادهن بالبوركينى، لذا بدا ظهور السيدة على الشاطئ خطوة متقدمة كان ينبغى تشجيعها لا تقريعها. المخجل أن هذا التقريع أتى من علمانيين «ظلاميين» لم يجدوا غضاضة فى فرض خيار اللباس على المرأة، وليس إتاحة المجال لها لتأخذ خيارًا حرًا.
أما ما سمعناه عن حيرة بقبولها قرار رجل الشرطة وعدم انسحابها من الشاطئ بصفته دليلاً على خيار نزع الحجاب، فهذا خطأ ثاٍن ارتكبه المنحازون لقرار البلديات، فقد نال السيدة من قرار الشرطى إهانتان؛ الأولى منعها من ارتداء البوركينى والثانية إجبارها على البقاء من دونه على الشاطئ، أما لماذا لم تعد إلى منزلها، فلا أحد يملك إجابة إلا هى، ولا يحق لنا سؤالها مرة أخرى عن قرارها. ويبقى أن مجلس الدولة فى فرنسا أجاب عن كل هذه التساؤلات فى إعلانه إبطال حظر البوركينى.