يبدو انسحاب الدكتور سمير مرقس مساعد رئيس الجمهورية من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور بعد ساعات من عودته إليها أمرا غير مفهوم وباعثا على الدهشة، ذلك أن أحدا لم يجبر الدكتور مرقس على العودة والتوقيع على بيان رباعى من المنسحبين يعلنون فيه عودتهم لاستئناف دورهم فى صياغة الدستور.. وفى حدود معلوماتى فإن المنسحبين العائدين تناقشوا طويلا قبل إصدار البيان وبعده وكان هناك اتفاق على أن عودتهم المشروطة أجدى كثيرا من البقاء فى الخارج.
كما أن انطباعات العائدين بعد لقائهم أمس الأول برئيس الجمعية المستشار الغريانى جاءت أكثر تفاؤلا وإيجابية من ذى قبل، حيث تم الاتفاق على أن تعتمد كل مواد الدستور بالتوافق دون اللجوء للتصويت، فضلا عن تفعيل دور لجنة الخبراء الفنيين المشكلة لمراجعة وتنقيح النصوص وإبداء الرأى فى سلامتها.
ولا أحد يصادر حق الدكتور مرقس فى الابتعاد والاقتراب كيفما ووقتما يشاء، إلا أنه لم يقدم أية مبررات لهذا التراجع الدراماتيكى، سوى أنه لم يشعر بالارتياح للعودة، واللافت أنه وافق على أن يكون جزءا من مؤسسة الرئاسة بقبوله منصب مساعد رئيس الجمهورية، وكان الأحرى لو أن لديه اعتراضات على النظام الحالى أن يبتعد عن المنصب الكبير.
وأحسب أنه أمام الجمعية التأسيسية الآن فرصة نادرة ــ أخشى أن تكون الأخيرة ــ لإيجاد نوع من المصالحة بينها وبين قوى المجتمع المتوجسة خيفة من الدستور القادم، فكما هو معلوم هناك خمسة أماكن شاغرة لا تزال فى تشكيل الجمعية، وبانسحاب سمير مرقس ومنال الطيبى، بالإضافة إلى غياب عضوين آخرين، يصبح هناك تسعة مقاعد خالية بالجمعية، يمكن للقائمين عليها لو كانوا جادين حقا فى توجيه رسائل إيجابية للمجتمع أن يملؤوها بشخصيات لها مصداقيتها وإسهامها الوطنى من خارج تيار الأغلبية المتهم بالسيطرة والاستحواذ والانفراد بالقرار.
ولو تم ذلك لنزعنا فتيل التوتر والصدام المحموم الآن فى هذه الدائرة الجهنمية من الشك والريبة وتطاير الاتهامات، وأزعم أن هذه مسألة تتطلب اهتماما استثنائيا من قبل كل من يستطيع أن يلعب دورا فى الخروج من هذه الأزمة، بدءا من رئيس الجمهورية الذى طالبته فى هذا المكان برعاية حوار موسع بين مختلف الأطراف، ونهاية بالمستشار الغريانى رئيس الجمعية، مرورا بأعضائها.
وبما أنه لم تبق سوى ساعات على المائة يوم الأولى فى حكم الدكتور مرسى، فإن مبادرة من هذا النوع لو تمت ونجحت تصبح منجزا حقيقيا للرئيس، وسط هذه الأمواج العاتية من المحاسبة والاتهام بالتملص من الوعود المعلنة.
إن بقاء مصر بلا دستور كل هذه الفترة الطويلة هو ما يفتح الباب واسعا لاستنفاد الطاقة فى معارك الكلام وغزوات الصراخ والصياح اليومى، وكأنها صارت بيزنطة.