الزعماء الثلاثة الذين قادوا فى السنوات الأخيرة الخط المعادى لإيران غرقوا الأسبوع الماضى، كل على حدة، فى أزمات داخلية صعبة. الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، متورط بقضية فساد جديدة فى أوكرانيا قد تكلفه لأول مرة بمحاولة تنحيته من جانب خصومه الديمقراطيين فى الكونجرس؛ محامو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مثلوا يوم الأربعاء الماضى لأول مرة أمام جلسة استماع بشأن ثلاث لوائح اتهام تنتظره؛ حتى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان يعانى مأزقا معينا له علاقة بحادثة القتل الغامضة للحارس السابق الشخصى لوالده.
فى مقابل ذلك، تتمتع القيادة الإيرانية بفترة معقولة للغاية، على الرغم من ضغط العقوبات الأمريكية والضائقة الاقتصادية فى الدولة. ليس فقط الهجوم المحكم والمدمر على منشآت النفط السعودية فى الشهر الماضى مر من دون رد عسكرى من السعودية أو الولايات المتحدة، بل حتى الرياض توضح أنها تؤيد حوارا سياسيا مع طهران. بعد مرور أيام قليلة على الهجوم ذهب الرئيس الإيرانى حسن روحانى لحضور المؤتمر السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك واستُقبل بحرارة كبيرة. وفى هذا الأسبوع نشر موقع بوليتيكو أن روحانى وترامب توصلا إلى اتفاق من أربع نقاط بشأن استئناف المفاوضات بين الدولتين بوساطة فرنسية، وكانا على عتبة عقد اجتماع بينهما فى أثناء عقد الجمعية. وبحسب التقارير، روحانى ــ وليس ترامب ــ هو الذى ألغى الاجتماع فى اللحظة الأخيرة.
فى هذه الأثناء جرى فتح معبر البوكمال على الحدود العراقية ــ السورية من جديد، بصورة تعزز السيطرة الإيرانية على «الممر البرى» الذى ينظم الحركة المستمرة من إيران وحتى لبنان. وهذا نتيجة إضافية لانتصار نظام الأسد (بمساعدة طهران) فى الحرب الأهلية فى سورية.
***
لقد وجدت طهران نفسها فى موقع ضعف فى أعقاب قرار ترامب، المختلَف عليه، الانسحاب من الاتفاق النووى فى مايو السنة الماضية. الأزمة الاقتصادية بدت أثقل من القدرة على احتمالها ووزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو عرض خطة من 12 نقطة للضغط بشدة على إيران، وكثيرون رأوا فى ذلك عملية هدفها فى نهاية الأمر تغيير النظام هناك.
بعد أكثر من عام ونصف العام تقريبا، تبدو الأمور مختلفة نوعا ما: ترامب ارتدع عن القيام بعملية عسكرية ضد إيران، ويتخوف، عن حق، من التورط فى حرب إقليمية فى الشرق الأوسط، ويلاحق روحانى على أمل لقاء يؤدى إلى ولادة اتفاق نووى بشروط جديدة. إلى هذه البلبلة الأمريكية، يُضاف ضعف أوروبى ورخاوة سعودية. فى المقابلة التى أجرتها شبكة سى بى أس التلفزيونية مع محمد بن سلمان، حذر سلمان من ارتفاع إضافى فى أسعار النفط، وبرر عدم قدرة الرياض على الدفاع عن نفسها أمام الهجمات الإيرانية، وأعرب عن تأييده عقد اجتماع بين ترامب وروحانى.
بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووى، أكثرَ نتنياهو من تباهيه بعلاقاته المقربة مع الرئيس. واحتفل المعجبون به بتأثيره فى الرئيس الأمريكى، وتحمسوا للقاءاته الكثيرة بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، واعتبروا تعهُد موسكو إبعاد الإيرانيين عن الحدود الإسرائيلية ــ السورية بعد استكمال سيطرة نظام الأسد على جنوب سورية دليلا على العلاقة الوثيقة بينهما.
فعليا، اتضح أن النجاح محدود فى أحسن الحالات. فى الأسابيع الأخيرة، يعترف نتنياهو بتردد أن وجهة ترامب هى نحو إجراء مفاوضات مع الإيرانيين من جديد، لكنه يشرح أنه من الأفضل أن يكون هو فى موقع تأثير فى الرئيس الأمريكى، وليس منافسه رئيس الأركان السابق بنى جانتس. فى سوريا القوات الإيرانية لم تبتعد قط عن الحدود مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، حزب الله يعمق تأثيره فى الجولان السورى. أيضا يتواصل جهد الحرس الثورى للتمركز العسكرى فى شتى أنحاء سورية، بالإضافة إلى تهريب السلاح إلى حزب الله ومحاولة إقامة خط إنتاج للصواريخ الدقيقة فى الأراضى اللبنانية.
صورة قاتمة
من بين مجموع المقابلات التى أُجريت مع شخصيات عسكرية فى فترة الأعياد، برزت المقابلة مع رئيس شعبة الأبحاث فى الاستخبارات العسكرية، العميد درور شالوم، التى أجرتها صحيفة «يسرائيل هَيوم». لقد بدا شالوم متشائما للغاية «الصورة قاتمة جدا» قال للصحاى يوآف ليمور: «فى نهاية الأمر، كل شىء يدور حول إيران. على جميع الصعد ــ جهودها للتمركز فى سورية والعراق، ومحاولاتها تهريب عتاد قتالى متطور إلى حزب الله ــ نجد أنفسنا فى مواجهة إيران فى جولة خطرة، ويجب علينا أن نعزز جيدا دفاعنا عن أنفسنا».
تحدث شالوم عن بعض السيناريوهات المحتملة المتعلقة بالاتفاق النووى، بينها مفاوضات أمريكية ــ إيرانية، واستمرار تصعيد عسكرى يجر إسرائيل أيضا إلى المعترك، وخروقات شديدة للاتفاق النووى من جانب طهران. رئيس شعبة الأبحاث لمح إلى أن إيران تنقل إلى سوريا والعراق صواريخ بحرية، ووصف «كخيار معقول جدا» احتمال أن تطلق إيران صواريخ بحرية، وصواريخ أرض ــ أرض أو طائرات مسيرة غير مأهولة من غرب العراق على إسرائيل، انتقاما للهجمات الأخيرة ضدها. فى ضوء القدرة التى أظهرها الإيرانيون فى الهجوم الأخير على السعودية، يبدو هذا تحذيرا مهما.
وصف العميد شالوم عن مسار إسرائيلى موجه ومدروس لتوسيع نطاق الهجمات ضد إيران وضد أهداف متماهية معها فى الجبهة الشمالية. ولم يُسأل، ومن المنطقى ألا يرد ــ لو كان سئل ــ عن دور إسرائيل فى التصعيد الأخير فى مواجهة إيران، وهل يجرى هذا فقط لاعتبارات موضوعية، أم له علاقة أيضا بجهود رئيس الحكومة فى الدفاع عن بقائه فى منصبه.
عندما حصل نتنياهو على تكليف رئيس الدولة رءوفين ريفلين لتأليف الحكومة قبل أسبوع، برر الحاجة إلى تأليف حكومة وحدة وطنية بالتوتر مع إيران. ووصف التهديد الإيرانى بأنه «تحدٍ أمنى كبير يقترب منا بسرعة هائلة وقد أصبح هنا». وبحسب كلامه، «يجب أن نواجهه، ويجب علينا أن نوحد القوى، لأن الشعب يجب أن يكون موحدا». ربما أن الافتراض الأساسى السائد منذ فترة طويلة الذى فحواه أن ما حدث هو ما سيحدث، لأن نتنياهو بقى حذرا إزاء مخاطر الحرب، لم يعد مقنعا بنفس القوة التى كان مقنعا فيها فى الماضى.
عاموس هرئيل
هاآرتس