هل النظافة تخصص؟ - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 10:07 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل النظافة تخصص؟

نشر فى : الخميس 4 نوفمبر 2010 - 9:45 ص | آخر تحديث : الخميس 4 نوفمبر 2010 - 9:45 ص

 قادنى ارتباط سابق إلى زيارة صديق فى ريف مصر، وأثناء حديثى عن خططى خلال اليوم الباقى لى فى مصر، ذكرت أننى سأتصل بالحلاق كى أحدد موعدا، فقال لى إنه يوجد هنا فى الخطاطبة حلاق فوق الممتاز على حد وصفه. وقد أبديت استعدادى للذهاب إليه رغما عن تخوفى ممن لا أعرف والأهم من فكرة الحلاقة فى الريف لاسيما أن أحوال ريفنا أسوأ كثيرا من أحوال مدننا التى هى أصلا ليست موضع إعجابنا. وقطعا ليس هدف هذا المقال هو الاحتفاء بأننى حلقت شعرى، وإنما المشهد الذى انتهيت إليه كان بديعا ويثير قضية مهمة لا يمكن تجاهلها وهى قضية النظافة.

لقد دخلت محل محمد خطاب حلاق مدينة الخطاطبة لأجد أمامى شخصا يلقى عليك التحية وكأنه جراح متمكن من مهنته، فخور بها، المحل نظيف تنبعث منه رائحة راقية تليق بأرقى الفنادق. يزول تخوفى تباعا لأكتشف أنه أنشأ حديقة صغيرة فى الجهة المقابلة لمحله، وبالنظر إليها تبين أنها محاطة من الجانبين بالقمامة المعتادة رغما عن أن بجواره صيدلية بدت لى من بعيد وكأنها مهجورة.

بدأت أسئلتى له ليتبين لى أنه يحب مهنته ويعتقد أن النظافة جزء لا يتجزأ منها، لا يقبل أن يلقى مخلفات محله فى قارعة الطريق، ويعتقد أن هذه الحديقة التى صنعها بتكلفة شخصية هى جزء من واجبه تجاه أبناء قريته حتى يروا أمامهم ما يبعث على الأمل. وقد كانت الحديقة أكبر، لكن جيرانه كانت لهم مآرب أخرى، فاضطر لأن يقتصر على الجزء الذى أمام محله مباشرة. يسأله السائلون هل أنت «حلاق أم تعمل فى البلدية؟» فيقول «أنا حلاق أعشق النظافة، وهل لازم أعمل فى البلدية كى أكون نظيفا؟»

هذا المقال رسالة من محمد خطاب إلينا جميعا بألا ننتظر الحكومة كى تنظف لنا شوارعنا، ماذا يضيرنا لو نظف كل محل أمامه وزرع زرعا أو صنع معروفا بأن تتوقف مهرجانات القبح عن أن تشوه كل ما هو متاح. هى رسالته لنا بأن نبادر بالخير وبغرس الفسيلة حتى لو كان بجوارك من يغرس الضرر. هى رسالة بأننا مقصرون فى حق بلدنا لأن منا من تحرك بلا ضجيج.

قيمة النظافة لابد أن تعود إلى القمة عساها تكون مقدمة لقيم أخرى غابت وأصبحنا أمة لديها حضارة لكنها ليست متحضرة. شكرا محمد لأنك لم تلعن الظلام وإنما أضأت حديقة وسط ظلام القمامة.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات