هم الذين تحدثوا كثيرا عن أن النظام السياسى لابد له من ساقين يتحرك بهما، وأن المعارضة ضمانة أكيدة لقدرة النظام على التحرك والتطور والنمو، وبدون معارضة فاعلة ـ كما صدعوا رءوسنا بتصريحات شكلها حلو ـ تصبح المعادلة مختلة.
والآن بعد أن اكتشفوا أن شهوة الاستحواذ السياسى أوصلتهم إلى وضع برلمانى شائه، لا مثيل له فى العالم، وبعد أن أدركوا أنهم بصدد برلمان أعرج.. وبعد أن قررت المعارضة المخدوعة أن تتمرد على مهنة الخدمة فى البيوت، وتنسحب من الساحة فرارا بسمعتها وما تبقى من شرفها السياسى.. ها هم الآن يفقدون صوابهم إذ لا يصدقون أن شركاءهم فى الملهاة توقفوا عن اللعب فجأة.
والحاصل الآن أن الحكومة وجدت نفسها فى ورطة حقيقية، خاصة أن الكل يعلم أن البرلمان المقبل هو المعنى بحسم ملف رئيس مصر القادم، تمديدا أو توريثا، وعليه كان لابد أن يحتوى مجلس الشعب على عدد من الشخصيات الحزبية التى تصلح لتمثيل دور المنافس فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، على أن يكون هذا المنافس ممتلكا للحد الأدنى من الرصانة فى الأداء، كى لا تتحول دراما الانتخابات إلى كوميديا مغرقة فى الإسفاف والابتذال.. باختصار كان النظام يريد ممثلا وليس بلياتشو.. محمود مرسى وليس إسماعيل ياسين أو محمود شكوكو، مع شديد الاحترام لمواهب الثلاثة الكبار الراحلين.
غير أن الأمور جرت وتطورت على نحو مغاير ومفاجئ، لم يكن فى الحسبان، وراجع معى الأسماء التى أوصلوها إلى مقاعد البرلمان باعتبارها من رموز المعارضة.. لدينا الآن محمد عبدالعال رئيس ما يسمى بحزب العدالة، ورجب هلال حميدة، رئيس الغد، واسمان أو ثلاثة لمرشحين محسوبين على أحزاب معارضة لا أحد يذكر أسماءهم.
وتخيل معى مفردات مسرح الانتخابات الرئاسية القادمة: الرئيس مبارك فى منافسة محتدمة مع عبدالعال وحميدة من أجل الوصول إلى حكم مصر.. هل هذه هى مصر حقا؟
وعلى ضوء هذه السيناريوهات المضحكة يمكن تفهم أسباب تلك الحالة العصبية التى أصابت أركان الحزب الحاكم مع إعلان الإخوان والوفد الانسحاب من المباراة مع نهاية الشوط الأول ومقاطعة تلك الدورة الرمضانية المسماة بالانتخابات، ذلك أنهم يريدون خصما يقال فى النهاية إنهم انتصروا عليه بعد مباراة حافلة بالإثارة والندية انتهت بفوزهم 35 ـ 1.
وأظن أن جماعات «الألتراس» فى الحزب الوطنى بدأت تستفيق من سكرة الانتصار الساحق الماحق على كابوس مخيف.