لا أعتقد أن مصر ستنجو إذا تركنا هذا الاستقطاب يمتد إلى مداه بلا ضابطين اثنين: الأول أن هذه الانتخابات لن تكون الأخيرة، ومن يفكر بغير هذا فقد خان الله والوطن. أما الخيانة لله فهى خيانة لأمر الله تعالى: «يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود» وخيانة لأمر الله تعالى لنا بألا نخون الله ورسوله وألا نخون أماناتنا. أما أمانة العقد القائم بيننا فهى أن هذه الانتخابات ستكون دورية تنافسية حرية نزيهة عبر اقتراح سرى مباشر ملتزمة بالقانون. ومن يخرج على هذا فهو قد خان عهده أمام الله. أما خيانة الوطن فهى العودة بمصر إلى زمن الاستبداد والطغيان حيث يسيطر شخص أو مجموعة أشخاص على مقدرات الوطن دونما رضا أبنائه.
أما الضابط الثانى فهو أن الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان أو الرئاسة فى يوم الناس هذا ليس فائزا سرمديا أو أبديا وإنما العمل السياسى بطبيعته هو عمل مؤقت ومشرط: مؤقت زمنيا، ومشروط بموافقة الشعب صاحب السيادة على استمرار من هم فى مقعد السلطة فى موقعه.
وإذا وضعنا الضابطين معا، فإن علينا أن نتوافق على عدد من الأمور:
أولا، الانتخابات هى وسيلة معاصرة لاستيضاح الإرادة العامة للأمة المصرية فى لحظة زمنية بذاتها. وبالتالى لا ينبغى أن يترتب عليها سوء فهم يفضى إلى الاعتقاد بأن من معه الأغلبية فى البرلمان فهو يملك صلاحيات لا نهائية لتحديد مصير الوطن بلا ضوابط. لماذا؟ لأن الانتخابات القادمة لن تأتى بالضرورة بنفس الأغلبية لنفس الأشخاص.
ثانيا الانتخابات كذلك لا تعنى أن الأغلبية ليس لها وزن أو دور، فهى مخولة بإدارة شئون البلاد وبتحويل البرامج الانتخابية للأغلبية البرلمانية إلى سياسة عامة للدولة. وفى حالتنا سيكون على الأعضاء المنتخبين من مجلسى الشعب والشورى أن يختاروا كذلك أعضاء الجمعية التأسيسية.
ثالثا، إن تركز السلطة آفة لابد من مقاومتها، ومن هنا تنزع الكثير من الديمقراطيات إلى أن تبادل بين الأحزاب، فتختار أن يكون الرئيس من حزب، وأن تكون أغلبية البرلمان من حزب آخر.
رابعا، إن تأبيد السلطة ليس من الفضائل فى شىء، بما فى ذلك أن يظل حزب معين فى موقع الأغلبية البرلمانية لفترة طويلة من الزمن. وعندى شواهد كثيرة تثبت أن تداول الأغلبية البرلمانية بين أحزاب مختلفة على مدى زمنى معقول (ومعقوليته لا تعنى تحديده سلفا)، يجدد فى الدماء ويعوق الفساد والإفساد، ويضمن ألا ننتهى إلى ديكتاتورية الأقلية أو ديكتاتورية الأغلبية.
خامسا، وجود آليات للحوار وللتوافق بين ممثلى القوى السياسية المختلفة لأن الاختلاف سنة من سنن الله فى خلقه، والتنوع فى الآراء من مصادر القوة، والتعايش بين الجميع هو البديل الوحيد المنطقى، والحوار والتوافق هو الآلية الوحيدة الممكنة.