أكدت تصريحات رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد مأساة بورسعيد عن أنه لا يقرأ الواقع المصرى بالشكل الذى يقرأه الملايين من المصريين، ولم يأخذ العبر والدروس من حالات التحول الديمقراطى الأخرى، بل ولم يخرج عن مفردات النظام السابق فى تعليقه على الحدث. فيما يلى رسائل سريعة أقدمها للسيد المشير ليتحرك قبل فوات الآوان
أكدت تصريحات رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد مأساة بورسعيد عن أنه لا يقرأ الواقع المصرى بالشكل الذى يقرأه الملايين من المصريين، ولم يأخذ العبر والدروس من حالات التحول الديمقراطى الأخرى، بل ولم يخرج عن مفردات النظام السابق فى تعليقه على الحدث. فيما يلى رسائل سريعة أقدمها للسيد المشير ليتحرك قبل فوات الآوان:
أولا: لا أعتقد أنكم تدركون أن أهداف الثورة لم تكن إزاحة المخلوع وإفشال خطة التوريث فقط، وإنما تغيير طبيعة النظام والسلطة من نظام يتحكم فيه فرد واحد ومجموعات من المنتفعين وبمساعدة أجهزة أمنية مختلفة إلى نظام يقوم على أساس المساواة أمام القانون والمواطنة واحترام كرامة الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية ووقف تبعية مصر للخارج. وقد أتاح الشعب، والتاريخ، لكم عدة فرص لدخول التاريخ من أوسع أبوابه لكنكم اخترتم ألا تفعلوا ما فعله قادة عسكريون فى دول مثل البرازيل والأرجنتين وكوريا الجنوبية والفليبين وتونس وغيرها عندما وقفوا مع التغيير الديمقراطى الحقيقى.
ثانيا: فشلتم سياسيا فى إدارة المرحلة الانتقالية عندما طرحتم فكرة التعديلات الدستورية وفرضتم إجراء استفتاء شعبى عليها قبل إحداث توافق سياسى حولها أولا. النتيجة كانت تصدير خلافات النخب والقوى السياسية إلى الشارع ما أدى إلى تقسيم الشارع على أساس سياسى وأيدولوجى. أنتم لا تعلمون أن من أبجديات التحول الديمقراطى التى ندرسها لطلابنا إحداث أكبر قدر ممكن من التوافق قبل طرح أى مقترح، واللجوء إلى الناخبين لا يكون لحسم خلافات النخب وإنما للحصول على الدعم الشعبى لما تتوافق عليه القوى السياسية التى من المفترض أن تعبر عن أولويات الثورة ومطالب الشعب.
ثالثا: فشلتم أمنيا وعرضتم البلاد إلى خطر لا مثيل له من عدة وجوه، فلم تحققوا الأمن للمواطن، وصارت عمليات السطو المسلح يومية تقريبا، واستفززتم الناس بعمليات نقل لقيادات الشرطة بلا رؤية محددة، ولم يسهم إعلامكم الرسمى إلا فى تأجيج المشاعر واتساع فجوة عدم الثقة بين الناس والشرطة، وفشلتم فى معالجة ملف المحاكمات ما أدى إلى مزيد من الاحتقان والغضب، ويقينى أنكم لن تستطيعوا حماية المخلوع لو سار مائة ألف متظاهر لاقتحام المستشفى. ثم امتد الخطر إلى المؤسسة العسكرية والأمن القومى المصرى بعد إقحام بعض العسكريين فى صدام مع الثوار وسقوط شهداء. والنتيجة أن صار الجماهير يطالبون بإعدامكم، وصارت إهانة رموز المؤسسة العسكرية أمورا عادية على الإنترنت.
ثالثا: فشلتم فى فهم الحالة الثورية التى تمر بها مصر، واخترتم أن تظهر إلى جانبكم حكومات ضعيفة بلا صلاحيات حقيقية، وأن يكون الوزراء أقرب إلى السكرتاريا لديكم. ما لم تدركوه أن هذه الثورة غير قابلة للقمع أو الالتفاف عليها، وأن حاجز الخوف انكسر إلى الأبد، وأن الثورة نتيجة لنشاط سياسى لقوى وطنية وحركات احتجاجية وشبابية متعددة ولغضب تراكم عبر السنين. ولم تفهموا أيضا أن محاولات قمع الثورة أو الالتفاف عليها لن تؤدى إلا إلى تلطيخ سمعة قيادات عسكرية وإسالة دماء الأبرياء.
رابعا: فشلتم فى التعامل مع المطالب الاجتماعية، ولم تقوموا بعمليات تطهير حقيقية لأتباع النظام السابق فى مؤسسات الدولة، فلم يشعر الناس أن الثورة وصلت إليهم. واتخذتم كل تحركاتكم تحت الضغوط الشعبية، وكأنكم تقولون للناس تظاهروا حتى نلبى لكم مطالبكم أو كأنكم تؤججون نار الغضب الشعبى وصولا إلى فوضى شاملة وفتنة لا تنطفئ.
خامسا: يمكنكم العمل على إنقاذ نفسكم وإنقاذ مصر ومعالجة الوضع الراهن قبل فوات الأوان بما يلى:
سياسيا: اعترافكم بالتقصير فى إدارة المرحلة الانتقالية وتنحيكم عن رئاسة المجلس العسكرى وتحملكم المسئولية السياسية أمام الشعب ونوابه فى البرلمان، وتسليم المجلس السلطة فورا إما لمجلس رئاسى مدنى عسكرى يشكله مجلس الشعب، أو لحكومة إنقاذ وطنى مدنية منتخبة يشكلها مجلس الشعب تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معا، مع فتح الباب فورا لانتخاب رئيس الجمهورية.
أمنيا: محاسبة المسئولين الأمنيين والسياسيين عن المجزرة وتقديمهم فورا إلى يد العادلة، والبدء فورا بإعادة هيكلة وزارة الداخلية تحت إشراف لجنة مشكلة من مجلس الشعب من عدد من الخبراء المدنيين المتخصصين على أن يكون بينهم خبراء فى القانون والسياسة وحقوق الإنسان وعلم الاجتماع.
المحاكمات: وضع الرئيس المخلوع فى سجن طرة فورا وإنهاء كل مظاهر التمييز له ولزوجته، وإصدار مجلس الشعب التشريعات اللازمة التى تسمح بمحاكمته ووزرائه سياسيا أمام محكمة خاصة. هذه الإجراءات ستطفئ قليلا من النار والأسى التى لدى أهالى الشهداء والمصابين وجميع الثوار.
●●●
أيها المشير: التغيير فى مصر مسألة وقت ولم يحدث فى التاريخ أن قامت ثورة بالملايين ثم تم إجهاضها والالتفاف عليها بالطرق التى يلجأ إليها البعض الآن. وكل ما يقوم به الفلول وأعداء الثورة هو تأخير للنصر ورفع تكلفة الانتصار وتقديم فرصة لنا لتقديم المزيد من الشهداء والتضحيات. إنها مسألة وقت.