إذا كنتم فى الأشهر الأخيرة تشعرون وكأنكم تجلسون فى المقعد الخلفى لسيارة تسير بسرعة نحو الهاوية، وليس فى إمكانكم أن تفعلوا شيئا لإنقاذ أنفسكم، فلستم الوحيدين الذين يشعرون بذلك، فرئيس الحكومة أيضا لديه الشعور نفسه، كما برز فى عجزه إزاء مؤتمر الاستيطان وكلامه فى مستوطنة عيلى. إن اليمين المتطرف هو مَن يتولى القيادة، بينما يزداد الكلام عن مبادرة أمريكية سياسية كبيرة تتضمن التطبيع مع السعودية تغرى نتنياهو وتضغط عليه فى آن واحد، لكن يبدو أنه عاجز عن فعْل شىء فى الوضع الذى وضع نفسه فيه.
وإذا كانت هناك نظرية انهارت فى 7 أكتوبر، فهى النظرية التى تقول «المستوطنات تحقق الأمن»، إذ إن وضع مدنيين فى جبهة على الحدود أدى إلى مقتل 1200 شخص، وخطْف أكثر من 200، بسبب عدم وجود قوات كافية، وذلك على خلفية وضع أغلب هذه القوات للدفاع عن المستوطنات فى الضفة الغربية، ولأن القرب الخطِر من تنظيم مسلح على الحدود مع غزة أو لبنان أو فى وسط سكان معادين يحتاج إلى موارد كبيرة وقرار حاسم. وإن قليلا من التواضع والموضوعية فى التعامل مع الواقع فى الأشهر الأخيرة كان من شأنه أن يجبر اليمين المتطرف على الاعتراف بأن الجيش ليس كلىَّ القدرة، ولديه حدود، وموارده محدودة، لكن المسيانية يمكن أن تكون كل شىء باستثناء التواضع.
ولا شك فى أن نتنياهو يدرك جنونية أوهام منظمى المؤتمر، ومدى هشاشة نظرتهم إلى الواقع، وأنهم يعيشون حالة نشوة عارمة دائمة، وهو يعلم أن التشوية السياسى الذى أحدثه بالتحالف مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير زاد فى إمكانات تشكيل هذين الاثنين عقبة، وأنهما هما من سيضعان العراقيل أمام صفقة المخطوفين، وليس يحى السنوار، وكلامه [نتنياهو] المتطرف أمام مستوطنى عيلى، ووعوده بأن «الجيش الإسرائيلى لن يخرج من قطاع غزة ولن نطلق سراح آلاف المخربين» يدل على أن عملية تسييس الحرب قد استُكملت، وأن المعركة الانتخابية بدأت، والأفق المسدود لا يزال باقيا.
وفى تقدير الصحفى توماس فريدمان، فإن الإدارة الأمريكية تنوى قريبا تقديم مخطط جديد للشرق الأوسط يتضمن الدفع قُدُما بدولة فلسطينية، وأيضا بحلف دفاعى أمريكى ــ سعودى فى مواجهة إيران. وحتى لو لم يعترف بذلك نتنياهو، الذى كان سعيه لإلغاء الاتفاق النووى مع إيران كارثيا، فإنه يدرك، بخلاف أغلبية أعضاء حكومته، أن أمام إسرائيل فرصة كبيرة لبناء نظام جديد بعد الدمار الذى تسببتْ به سياسته، وتسببت به «حماس»، لكن لبن غفير وسموتريتش خططا أُخرى.
وبناءً على ذلك، فإنه يتعين على نتنياهو أن يتخذ قراره، وهو مضطر إلى أن يقرر «عن أى طرف سيتخلى؟ هل سيتخلى عن المتعصبين أم عن المعسكر الرسمى؟» لكن موقف المتعصبين ليس باطنيا كما اعتقدنا، فأى مخطط لإطلاق المخطوفين يتطلب من إسرائيل تقديم تنازلات صعبة، وأى خطة دولية تتضمن دولة فلسطينية ستثير معارضة قوية حتى بين أحزاب الوسط. ومن أجل بقائه السياسى، فقد استخدم نتنياهو خطابه الأكثر تطرفا، والآن، يبدو أن العقبات أُزيلت، وجزء كبير من الجمهور لا يخجل من قول إن إطلاق المخطوفين، لكن ليس بأى ثمن، أمر يفرحه.
إن جبهة نتنياهو هى الحرب من أجل بقائه السياسى، وجبهة المسيانيين هى ترحيل سكان غزة والعودة إلى استيطان غوش قطيف، وفى هذه الأثناء، فإن هدف الحرب الرسمى (استعادة كل المخطوفين) يخسر تأييده، وبين الضغط الدولى من أجل إعادة صوغ الخريطة الجيوسياسية والمزاج العام للجمهور الذى سيحدد بقاءه السياسى، يبدو نتنياهو عاجزا عن الحركة. وتشير الدلائل إلى أنه حتى لو أراد أن يتحرك، فسيصل دائما إلى الحائط المسدود عينه، فبعد عمليات غسل الدماغ ضد تقديم تنازلات، سيكون من الصعب إقناع الجمهور بقبول صفقة تتطلب تنازلات كهذه.
إيريس لعال
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية