هل تعديلات قانون الإجراءات الجنائية باستئناف أحكام الجنايات تحقق العدالة؟ - رانية فهمى - بوابة الشروق
السبت 6 يوليه 2024 8:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تعديلات قانون الإجراءات الجنائية باستئناف أحكام الجنايات تحقق العدالة؟

نشر فى : السبت 1 يونيو 2024 - 10:30 م | آخر تحديث : السبت 1 يونيو 2024 - 10:30 م

فلنفترض حالتين:
1- محمد أحمد محمود متهم بإصابة شخص بجرح بمطواة: جنحة
2- سيد سعيد حسنين متهم بإصابة شخص بجرح بمطواة ما تسبب فى عاهة مستديمة للمجنى عليه: جناية
الاثنان أدانتهم محكمة أول درجة التابعين لها.. العدالة تُحتم إتاحة نفس الفرص لمحمد وسيد أمام القضاء لاستئناف الحكم لتخفيفه أو للحصول على البراءة، لكن هل هذا متاح لهما على قدم المساواة؟
حتى 16 يناير 2024، المتهم بجناية (الجناية هى الجريمة التى عقوبتها من سجن ثلاث سنوات حتى الحكم بالمؤبد أو الإعدام) كان محرومًا من استئناف الحكم ضده فى محكمة استئنافية فى حين المتهم بجنحة (الجنحة هى أقل خطورة وعقوبتها أخف؛ من حبس 24 ساعة لثلاث سنوات) له الحق فى الاستئناف، ما يعنى أن الأول لديه فرصة واحدة فقط والثانى فرصتان!
ومع التسليم أنه يمكن لكليهما اللجوء لمحكمة النقض (الطعن بالنقض) إلا أن المحكمة لا تعيد النظر فى موضوع الدعوى، فقط فى صحة الحكم.
* • •
أتوقف قليلًا لتوضيح الفرق بين الطعن بالاستئناف والطعن بالنقض: لو شبهنا الدعوى بورقة الإجابة التى يجيب فيها الطالب أو الطالبة عن أسئلة الامتحان، فالاستئناف هو عندما تنظر المحكمة فى فحوى الإجابات من الناحية الموضوعية بمعنى أنها تحكم على الموضوع نفسه بوقائعه وأدلته التى تثبت دفاع الشخص المتهم.
أما الطعن بالنقض فهو مثل مراجعة ورقة الإجابات للتأكد من أن الشخص المصحح أعطى الدرجة العادلة للطالبة أو الطالب، فالمهم هنا هو الحكم على درجة الامتحان وليس على الإجابات. فمحكمة النقض لا تنظر فى الموضوع لكن تتأكد من أن الحكم اللى حكمت به المحكمة قد طُبّق والتزم بالقواعد القانونية الموضوعية والإجرائية، فلو لم يلتزم، إما تصدر هى بنفسها حكما يحل محل الحكم المطعون فيه فى حالات حددها القانون، أو تحيل الدعوى إلى المحكمة التى أصدرته لتحكم فيها من جديد مشكّلة من قضاة آخرين فى حالات أخرى.
فى 16 يناير 2024 تمت تعديلات فى قانون الإجراءات الجنائية باستئناف أحكام الجنايات، وهذه الخطوة المهمة كانت وفاءً لاستحقاق دستورى بوجوب استحداث درجة ثانية فى التقاضى لجرائم الجنايات خلال عشر سنوات من صدور دستور 2014 تنتهى مهلته فى 17 يناير 2024. وهذا يعنى أن الشخص مرتكب الجناية أصبح له أخيرًا نفس الفرصة مثل مرتكب الجنحة.
* • •
لكن السؤال الذى أطرحه هنا: إذا كانت هذه التعديلات قد ساوت بين الشخص المتهم بجناية بالمتهم بجنحة، فهل حققت فعلًا العدالة بين من يرتكب الجناية قبل 16 يناير ومن يرتكب نفس الجناية بعد هذا التاريخ؟
المادة 3 المستحدثة فى قانون الإجراءات نصت على: «لا تسرى أحكام هذا القانون إلا على الدعاوى التى لم يُفصل فيها من محاكم الجنايات اعتبارًا من تاريخ سريان هذا القانون».
توقفتُ عند عبارة «الدعاوى التى لم يُفصل فيها». هل معناها أنه فى حالة صدور الحكم على سيد سعيد حسنين مرتكب الجناية فى محكمة أول درجة فى 15 يناير، قبل صدور القانون بيوم، فهو لا يمكنه استئنافه، فى حين أن حسن محمود العوضى مرتكب نفس الجناية، على مجنى عليه آخر، والذى صدر حكم ضده فى 17 يناير، بعد صدور القانون بيوم، يمكنه استئنافه؟
وجدت أن صياغة هذه الجملة محيرة لأنها سكتت عن المقصود بـ«الدعاوى التى لم يُفصل فيها فى محاكم الجنايات»: هل هى الأحكام النهائية الباتة بمعنى أنها التى تصدر فى الدعاوى التى استنفذت كل طرق الطعن العادية (معارضة واستئناف) وغير العادية (نقض والتماس إعادة النظر) أم هى فقط الدعاوى التى لم يفصل فيها فى محاكم أول درجة، أم التى فُصل فيها فى تلك المحاكم لكن ما زال أمامها فرصة الطعن بالطرق غير العادية كالنقض؟
فى ظنى كان يجب النص على أنها الأحكام النهائية الباتة، وبالتالى تتضح الصورة بأن الشخص المحكوم عليه بجناية استنفذ كل طرق الطعن بما فيها الطعن بالنقض قبل يوم 16 يناير. لكن الصياغة بوضعها الحالى فى ظنى معناها إن سيد سعيد حسنين المتهم الأول (الذى من المُفترض أنه، حسب المادة 3، لن يستفيد من التعديل لصدور الحكم ضده من محكمة الجنايات أول درجة) يمكن أن يكون قد حُكم عليه فى محكمة أول درجة لكن كان ما زال له الحق فى الطعن بالنقض خلال 60 يومًا من صدور الحكم.
ولو قُبل الطعن خلال هذه الفترة، كان يمكن، في حالات حددها القانون، لمحكمة النقض إعادة الحكم لمحكمة أول درجة التي أصدرته لتصحيحه. وطالما أن الدعوى عادت لهذه المحكمة والقانون الذي يسمح باستئناف حكم الجنايات صدر بالفعل، كان من حق سيد سعيد حسنين إستئناف الحكم الجديد الذي ستصدره هذه المحكمة في محكمة استئناف الجنايات المنشأة حديثاُ، مما يعني أنه كان من المفترض أن يكون عنده فرصتين لمراجعة الحكم الأصلي وليس فرصة واحدة. وهذا معناه أن كل المحكوم عليهم مثل سيد سعيد حسنين قبل صدور القانون الجديد ولكن كان لا زال أمامهم فرصة الطعن بالنقض وهي فرصة ال60 يوم قد حُرموا من حقهم في إستئناف الحكم ضدهم.
* • •
نقطة أخرى: يوجد مبدأ قانونى مهم هو «تطبيق القانون الأصلح للمتهم الجنائى»، والذى يعنى أنه لو أثناء النظر فى قضية جنائية صدر قانون يمحى الجريمة أو يخفف العقوبة، فالقانون الجديد يُطبق على الجرائم التى ارتُكبت قبل صدوره، بشرط ألا يكون قد صدر حكم نهائى بات فيه، أى يُطبق بأثر رجعى، فلو المتهم حُكم عليه بالسجن عشر سنوات والقانون الجديد نص على تخفيف العقوبة عن نفس الجريمة لثلاث سنوات، تُختصر المدة لثلاث سنوات فقط، ولو القانون الجديد ألغى العقوبة، يُطلق سراح الشخص المحكوم عليه من السجن.
فلو توسعنا فى مفهوم القانون الأصلح للمتهم فى اعتبار أن إضافة درجة ثانية للتقاضى؛ الاستئناف، هى بمثابة قانون أصلح للمتهم لأنها تعطى للشخص المحكوم عليه فرصة فى تخفيف الحكم أو فى البراءة، تصبح الدعاوى التى فُصل فيها بالفعل بحكم غير نهائى بات فى محكمة الجنايات يمكن استئنافها وتقع تحت أحكام القانون الجديد.

التعليقات