• حدث المستورد بن شداد (رضى الله عنه) فى مجلس كان فيه عمرو بن العاص (رضى الله عنه): أنه سمع النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول، أى: تأكد هل سمعت هذا من الرسول، قال: «أقول ما سمعت من الرسول»، قال: «لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالًا أربعًا: «إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك».
• هذا الحديث صحيح السند ورائع الدلالة، خرجه أهم أئمة الحديث وتتطابق دلالته مع الواقع الذى نحياه.
• والحديث يتكون من جزأين: أحدهما يقرر فيه الرسول حقيقة أن الروم سيكون أكثر الناس يوم القيامة، وهم الغرب بلغة العصر، وهم أمريكا وأوروبا وأستراليا وكندا، والأكثرية هنا لا تعنى العدد فحسب لكنها تعنى القوة والبأس والتقدم العلمى والتقنى والاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والتوحد.
• أما الجزء الثانى من الحديث فلم يقله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لكنه تفسير اجتماعى وسياسى وإنسانى من عمرو بن العاص لأسرار تفوق الغرب.
• ولعل البعض يسأل: لماذا قام عمرو بن العاص دون غيره من الصحابة بتفسير الحديث دون بقية الصحابة؟ والعلة أنه كان من أكثر الصحابة خبرة بالبلاد والشعوب وطبائعها وعاداتها وأخلاقها، فقد سافر إلى الشام وخبرها وشارك فى فتحها، وإلى السودان والحبشة واليمن.
• ولذا اختارته قريش ليتفاوض مع النجاشى لتسليم الصحابة، وهو من القلائل الذين خبروا مصر واقترح فتحها ونفذه.
• وقد فسر عمرو سر قوة الغرب فى خصال خمس:
• أحلم الناس عند فتنة.
• أسرعهم إفاقة بعد مصيبة.
• أوشكهم كرة بعد فرة.
• أرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف.
• والخامسة توقف عندها ووصفها بخامسة حسنة جميلة «وأمنعهم من ظلم الملوك»، وكأنه يتغزل فيها ويعطيها قدرًا فوق أقرانها، أو كأنها عمدتهم جميعاً.
• وتشعر هنا بأن عمرو أشبه بالخبير السياسى والاستراتيجى والسيسولوجى المخضرم وكأنه يعيش مع الغرب أو يقرأ صفحة المستقبل وتطوى له القرون ليقرر أسباب قوة الغرب التى ستؤهلهم للقوة والمنعة حتى الساعة.
• فهم أحلم الناس عند فتنة، فلا تعرف بلادهم الفتن التى لا حل لها أو الحروب والصراعات السياسية التى تجعل الحليم حيران، فلم تعتد شعوبهم خرق القوانين الداخلية أو الاشتباكات الطائفية والعرقية والمذهبية كالتى تعرفها بلادنا.
• وفيها يعيش المسلم والمسيحى واليهودى والشيعى والسنى والدرزى والسلفى والإخوانى والملحد فلا يفكر أحدهم فى أذى أحد أو مخالفة القوانين، فكل يعرف حقه فيطلبه وواجبه فيؤديه فى صمت ودون رشوة أو واسطة أو نفاق.
• ويستكمل ابن العاص تحليله بقوله: «وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة» فكم مرت على الغرب من مصائب عامة وحروب مدمرة وزلازل وبراكين وسيول، ولكنها تفيق سريعا وتنهض من كبوتها وكأن شيئاً لم يكن، دمرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا فى الحرب العالمية الثانية وعادوا أقوى مما كانوا.
• أما بلادنا فإذا رقدت فلا تنهض سريعًا، وتظل البلايا والمصائب تتوالى عليها، مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن والسودان والصومال ولا تفيق إلا ببطء، ولا تكتشف أخطاءها ولا تراجعها إلا نادرًا وتلدغ من الجحر الواحد مرات.
• أما الثالثة فهى «أوشكهم كرة بعد فرة» فما هزموا مرة إلا وانتصروا بعدها، وما انتكسوا مرة إلا وانتفضوا بعدها، لأن دولهم ومؤسساتهم تحمل فى طياتها بذور المراجعة والتصحيح والنقد الذاتى والتصويب للأخطاء.
• أما الرابعة فهى العدالة الاجتماعية «وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف» فترى فى الغرب من صور الاهتمام بالمعوقين والمرضى والفقراء وحتى الشباب العاطل ما لا تراه فى أى دولة إسلامية، حتى قال الشيخ محمد عبده عن أوروبا «رأيت مسلمين بلا إسلام ورأيت هنا إسلاما بلا مسلمين».
• حتى اللاجئ السياسى له مرتب ولكل من أولاده مرتب شهرى ورعاية صحية مع تعليم مجانى، فكيف بأهل البلاد الأصليين، وقد عاد لاجئ سياسى قديما يحمل الدكتوراه فى الكيمياء فلم يجد عملا فى وطنه، فتذكر كيف أن زوجته وضعت فى أرقى مستشفى مجانًا وأوصلها المستشفى مع مولودها إلى بيتها بتاكسى على نفقة المستشفى.
• أما درة الخصال جميعًا فهى «وأمنعهم من ظلم الملوك»، وهى أبرز صفات الغرب الآن.
• فالحاكم مثل الرعية لا يتكبر عليهم ولا يستطيل عليهم ولا يرى نفسه فوقهم بل هو خادم له جاء بإرادتهم ولتيسير حياتهم، ورغم أن هذه الصفات كلها فى الإسلام إلا أن بلاد المسلمين بينها وبين هذه الصفات بعد المشرقين.
• ولذلك سنعيش فى تخلف حتى حين، وسنن الله لا تحابى أحدًا من خلقه، فلا تجامل المؤمنين لإيمانهم ولا تظلم غيرهم لكفرهم، فمن أخذ بأسباب النصر انتصر ولو كان كافرًا، ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنًا، سلام على عمرو بن العاص.
• أما ما سيدمر الغرب الآن من وجهة نظرى فهو مساندة حكوماتها للمظالم الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطينى والثانية دعمه اللا محدود للشذوذ الجنسى الذى يدلل باسم «المثلية»، وهو انتكاس خطير للفطرة الإنسانية وهدم للعمران الإنسانى كله.