• «ربَّى ذئبا فأكله»، هكذا كان حال البشير مع ميليشيا الدعم السودانى، فمن أكبر الأخطاء التى وقع فيها البشير تكوينه لميليشيا الدعم السريع، لمواجهة تمرد دارفور. أشرفت أجهزة الأمن السودانية على هذه الميليشيا تكوينًا وعملًا، والأخيرة قامت بمذابح وجرائم ضد الإنسانية وقتها فى دارفور، كانت تقوم بهجمات عسكرية عشوائية على الأسواق والأحياء السكنية والمدنيين واستهدفت المستشفيات ونهبت المخازن الطبية وأخرجت معظم المستشفيات وقتها خارج الخدمة الطبية وقتلت قرابة ١١٠٠ شخص غير عربى فى دارفور، وأجبرت ٨٠% من سكان الجنينة غربى دارفور على النزوح من منازلهم، وسرقت مستودعات الأغذية التى كانت مخصصة لـ٤.٤ مليون نسمة، أما ضحاياها فى العنف الجنسى فقد قدرته المنظمات الحقوقية الدولية بقرابة ٤٤٠٠ حالة اغتصاب من هذه الميليشيا، هذا فضلًا عن أعمال التعذيب والقتل الممنهج للعشرات والمئات.
• التاريخ الإجرامى لهذه الميليشيا بدأ فى دارفور أيام البشير ثم استمر وتواصل، وكان ينبغى على الحكومة السودانية بعد استقرار أوضاعها فى دارفور أن تحل هذه الميليشيا وتدمجها فى المؤسسات العسكرية والأمنية السودانية أو أن تسرحها بعد تجريدها من سلاحها، ولكن هذا لم يحدث بل شاركت فى الانقلاب على البشير ثم تقاسمت السلطة مع البرهان ممثلا للجيش السودانى، وسرعان ما دب الخلاف بينهما، والخلاف عند الميليشيات يعنى الحرائق والخراب والدمار.
• النقطة الفاصلة الرئيسية لأى دولة هى حل الميليشيات، وعندما وصل البرهان والجيش السودانى لهذه النقطة الفاصلة لم يقبل "حميدتي" زعيم ميليشيا الدعم السريع وأبى أن يزول سلطانه وملكه الذى بناه بالبغى والظلم والحرق، فكانت الحرب بين الجيش الذى يمثل الدولة والميليشيا التى تمثل الفوضى، وبدأت فى ١٥ أبريل عام ٢٠٢٣ واستمرت حتى اليوم وأدت إلى خراب السودان وتهجير الكثير من أبنائه وتدمير مدنه وقراه.
• وفى أحدث الإحصائيات للخسائر السودانية قتل أكثر من عشرة آلاف سودانى وجرح أكثر من ١٢ ألف سودانى أما القتلى من الأطفال فقد جاوز ٤٢٥ طفلًا، وهناك حالات من المفقودين مع حالات إخفاء قسرى تجاوز الآلاف، ونزح حوالى 11.5 مليون سودانى داخل البلاد، كما لجأ مئات الآلاف الى الخارج.
• وقد قامت ميليشيا الدعم باقتحام عشرات المستشفيات فى الخرطوم وغيرها، كما قامت بمذابح فى قرى كثيرة مثل «ود النورة» التى ذبح فيها مائة سودانى.
• اليوم وبعد قرابة العامين تقريبًا استعاد الجيش السودانى زمام المبادرة بعد أن أعاد تنظيم قواعده وقادته، وبدأ فى هزيمة الميليشيا المتمردة وطردها من معظم مواقعها.
• هزيمة ميليشيا الدعم هى أولى خطوات السودان نحو الدولة الحديثة الموحدة، فقد أوشكت من قبل على التقسيم والضياع، بعد قيام ميليشيا الدعم السريع بعمليات تطهير عرقى واسعة عدة مرات، بل والاستيلاء على المساعدات الإنسانية، ونهب مئات المستودعات الإغاثية، وقتل وجرح موظفى الإغاثة حتى قالت الأمم المتحدة إن السودان أخطر مكان على موظفى الإغاثة الإنسانية حتى أعضاء منظمة أطباء بلا حدود الذين يداوون الجرحى والمرضى فى أماكن النكبات تعرضوا لهجوم الميليشيا، وقد وثقت منظمة الصحة العالمية ٥١ هجومًا لها على المنشآت الطبية والعاملين فيها.
• هناك فى إحدى بلاد العرب ميليشيا مسلحة تملك حزبًا سياسيًا، واقتصادًا أقوى من اقتصاد الدولة، ومخابرات أقوى من مخابراتها، وسلاحًا أقوى من سلاحها وتسيطر أحيانًا على الميناء وعلى بعض الحدود، هل سمعت هذا فى أى دولة فى العالم ولكنه حدث فى بلاد العرب.
• الميليشيات تسرح وتمرح فى بلاد العرب، ولا تجدها إلا فى بلاد العرب، فسوريا كان بها قرابة ٤٥ ميليشيا تكفيرية وشيعية أيام بشار، والعراق كان فيها وما زال عشرات الميليشيات، وليبيا كذلك، واليمن كذلك، الميليشيات فى بلاد العرب كانت سببًا فى انهيار دولها.
• يحتاج العرب إلى أعوام حتى تتحرر بلادهم من سطوة الميليشيات المسلحة التى تخرب الأوطان وتمزقها، الميليشيا هى دولة داخل الدولة، هى استعمار وخراب للدولة لكن من الداخل، هى أخطر من الغزو الأجنبى.