منذ عامين نشرت مقالين عن السيارات الكهربائية وبالتحديد عن شركة تسلا، رائدة هذه الصناعة فى العالم وأكبر شركات السيارات الكهربائية وقتها. ونستعرض فى مقال اليوم كيف حكم التاريخ على توقعاتى التى نشرتها فى المقالين والرؤية المستقبلية لها؟
بداية نبدأ بتوقعاتى لسعر سهم تسلا والذى قلت وقتها أنه فى فقاعة وشبهته فى المقال بأسهم الـ Nifty Fifty فى سبعينيات القرن الماضى، وهى أسهم لشركات عملاقة كانت قد وصلت لتقييمات مبالغ فيها وبالتالى تعرضت أسهم هذه الشركات لخسائر كبيرة استمرّت لأعوام رغم قوة هذه الشركات وقدرتها على تحقيق الأرباح. هى إحدى عجائب أسواق المال فقد تكون هناك شركة تحقق خسائر بينما يحقق سهمها مكاسب؛ والعكس صحيح. وبالفعل ومنذ وقت نشر المقال خسر السهم حوالى ٣٠٪ من قيمته السوقية رغم أن الشركة حققت عدة طفرات فى مبيعاتها.
التوقع الثانى هو أن مشكلة البطاريات أو الشحن ستكون العقبة الحقيقية فى سبيل الانطلاق الحقيقى لصناعة السيارات. وبالفعل تراجعت مؤخرا مبيعات السيارات الكهربائية وحدث تحول عام نحو السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلى (السيارات العادية) والسيارات الهجينة Hybrid التى تجمع بين محرك الاحتراق الداخلى والمحرك الكهربائى. وأهم أسباب هذا التراجع فى مبيعات السيارات الكهربائية هو قلة محطات الشحن وطول المدة المطلوبة لشحن السيارة حتى تتمكن من قطع مسافات طويلة.
أما التوقع الأخير والذى جانبنى فيه الصواب فهو توقعى أن ألمانيا ستقود التحول العالمى نحو السيارات الكهربائية. فها هى الصين تقلب توقعاتى رأسا على عقب وتأتى شركة BYD على رأس مصنعى السيارات الكهربائية والهجينة عالميا متخطية تسلا من حيث المبيعات. ليس هذا فقط ولكن تظهر عدة شركات صينية أخرى تحقق قفزات فى صناعة السيارات الكهربائية تضطر أمريكا وأوروبا لفرض رسوم حماية على صناعة السيارات فيهما. فكيف حدث ذلك؟
فى تقديرى أن الصين فهمت أن السيارة الكهربائية تكنولوجيًا تشبه السيارة اللعبة. فهى لا تعتمد على محرك معقد مثل محركات سيارات الاحتراق الداخلى الذى يحتاج تطورا تكنولوجيا فى تصنيع كل جزء منه. وبالتالى فهى أشبه بمحرك سيارة لعبة على شاسيه كبير لا يحتاج لينافس تسلا سوى بعض الرفاهيات الداخلية. ومن أقدر من الصين على تصنيع لعب أطفال رخيصة التكلفة؟ وبالفعل استطاع الصينيون تقليد النموذج بتكلفة أقل بكثير. وتنبه إيلون ماسك، مؤسس تسلا، لهذا التغيير مبكرا فبدأ فى تخفيض أسعار سياراته فورا ليتمكن من المنافسة فى ظل متغيرات السوق. ويقال إنه يعمل الآن على تعديل جديد فى أسلوب تصنيع السيارة من شأنه أن يخفض تكلفتها أكثر من ٣٠٪. هو يريد بدلاً من وضع جسم السيارة على شاسيه أن يقوم بإنتاج قالب للسيارة كاملة ثم يقوم بحقن الأسلاك والوصلات داخل هذا القالب. إذا نجح فى ذلك فستكون له الغلبة فى السوق على الأقل مؤقتا.
كان والدى رحمة الله عليه من أقدر تجار الحديد الذين شهدتهم فى حياتى، فكان لديه قدرة فريدة على التعامل فى أسواق جميع أنواع الحديد بحنكة كان يحسد عليها. وكان له كلمة دائما يقولها إن تاجر الحديد «الصنعة»، وهى الكلمة التى تطلق على حديد القطاعات، يتفوق على تاجر حديد التسليح لأن الأخير يتعامل فى سلعة مثل «العيش» أى الخبز ليس فيها فن أو تخصص. فحديد التسليح سلعة والخبز سلعة. والصين نجحت أن تجعل السيارات أيضا سلعة ستكون واسعة الانتشار وسهلة الشراء لفئات لم تحلم يوما باقتناء سيارة.