أمام المرآة ٣: هل نموذج نمو بداية القرن مناسب لمصر؟ - محمد الهوارى - بوابة الشروق
السبت 15 فبراير 2025 7:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أمام المرآة ٣: هل نموذج نمو بداية القرن مناسب لمصر؟

نشر فى : الجمعة 14 فبراير 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الجمعة 14 فبراير 2025 - 7:50 م

 

فى هذه السلسلة من المقالات بعنوان «أمام المرآة»، أضع نفسى مع صانع القرار أمام مرآة النقد الذاتى. وإن كنت لا أشاركه فى عملية اتخاذ القرار إلا أننى أشاركه فى حب هذا الوطن الغالى، الذى خرجت من قلب عاصمته النابض، بعد تخرجى فى الجامعة منذ أكثر من ثلاثين عاما. وعملت فى قطاعات تعتبر مقياس لإيقاع الاقتصاد المصرى حتى استقرارى حاليا فى مجال إدارة صناديق الاستثمار الدولية من أهم عواصم المال والاقتصاد الأوروبية، ولكن يظل قلبى وعقلى ساكنين بمصر، أتحين فرص الاستثمار بها بفارغ الصبر، متمنيا لها الرفعة والتقدم والرخاء، الذين لن يتحققوا دون شجاعة النقد البناء من كل غيور على وطنه. هى مجموعة مقالات ترددت كثيرا قبل كتابتها. ففى بعضها سيظننى القارئ منتقدا وفى مقالات أخرى سيظننى مدافعا عن الأداء الحكومى بينما الغرض الحقيقى من هذه المقالات هو التحليل وإلقاء الضوء على ما أراه فرصا وتحديات. فأرجو أن يتسع صدر الجميع لرؤيتى والتى قد تصيب أو تخطئ ولكنها فى كل الأحوال تأتى من منطلق وطنى خالص.

تابعت باهتمام وغيرى كثيرون لقاء السيد رئيس الوزراء بمجموعة من رجال الأعمال المصريين على الهواء مباشرة. بداية أقول إننى إذا حسبت نفسى على فئة فى المجتمع فستكون فئة رجال الأعمال. هى الفئة التى ظلمت مرارا وتكرارا فى أغلب وسائل التواصل المقروءة والمسموعة والمرئية ورميت ومازالت ترمى باتهامات تشعرك أنها الفئة المسئولة عن كل مشكلة تحدث فى مصر. وفى مصر العديد من رجال الأعمال الذين عاشوا قصص نجاح تستحق أن تنشر. وأقول بوضوح إننى هنا أقصد حتى رجال الأعمال الذين شابت حياتهم الشخصية بعض المشكلات فأنا هنا أتكلم عن النجاح العملى بعيدا عن التقييم الشخصى. أما وأن أوضحت هذه النقطة فسؤالى هنا هو، هل نموذج النمو الذى اتبعته مصر فى بداية القرن الحالى مناسب؟ هو النموذج الذى اعتمد على عدد من كبار رجال الأعمال لتطوير مشاريع بنية أساسية ثم الاعتماد عليهم بعد ذلك لتطوير الأداء الحكومى عن طريق عملهم كوزراء وفى مناصب أخرى قيادية.

مرة أخرى أبدأ بالإيجابيات، فلا أشكك أبدا أن تجربة رجال الأعمال فى الحكومة كانت تجربة لها الكثير من المحاسن والمميزات. فالفكر والكلام كان أكثر تقدمية. وكانوا يتكلمون لغة السوق كما نقول. أما إذا رصدنا السلبيات فسنجدها متعددة:

أولاً: رجل الأعمال ليس سياسيا وتركيبته تبعد بالضرورة عن تركيبة السياسى، أما المنصب الحكومى فهو منصب سياسى فى المقام الأول. وعالميا نجد أن رجل الأعمال الذى ينجح فى السياسة هو الاستثناء وليس القاعدة. وغالبا ما يكون النجاح على خلفية وجود مؤسسات قوية وهيكل من العاملين الحكوميين المؤهلين لقيادة الوزارات.

ثانيا: لا يستطيع رجل الأعمال الناجح أن يخلع قبعة العمل الخاص مهما فعل. رجل الأعمال كينونة وليس وظيفة. منذ خمسة أعوام لم أحصل على إجازة حقيقية كما يحصل عليها الموظف، فصاحب العمل هو المرجع الذى لا يمكن أن ينفصل عما يحدث. فكيف نطلب منه أن يكون ناصحا للحكومة أو متخذ قرار ولا تكون عينه على عمله الخاص؟

ثالثا: نموذج النمو فى بداية القرن وهو نموذج النمو المعتمد على رجال الأعمال الكبار أو الbig business هو من ضمن أنواع الsupply side economics وهو نموذج نمو يقول أنه إذا ساندت الدولة الشركات الكبيرة فسينتج عن ذلك استفادة للفئات الأدنى فى المجتمع مثل الرى بالتنقيط وهو ما يسمى بtrickle down economics. هى نفس التوليفة التى أثبتت فشلها فى أماكن كثيرة حول العالم فالنمو يصل منه الفتات للفئات الأدنى من المجتمع التى تبقى مهمشة بلا قابلية للصعود فى السلم الاجتماعى upward social mobility مما يسبب الإحباط العام.

رابعا: نموذج نمو بداية القرن خلق وحوش اقتصادية ولم يترك المجال لخروج منافسة من الشركات المتوسطة والصغيرة سوى فى أضيق الحدود. دائما ما أضرب المثل بوظيفة المستشار الاستثمارى: فى الولايات المتحدة لتصبح مستشارا استثماريا تحتاج أن تجتاز عددا من الامتحانات وتلتزم بمحاذير معينة. وتستطيع إذا أصبحت لديك المؤهلات المطلوبة أن تقوم به من منزلك. أما فى مصر فرخصة إدارة الاستثمارات تتطلب لسبب ما رأس مال بالملايين وهيكل وظيفى متكامل وموافقة من الهيئات الرقابية غالبا ما تعتمد على إذا ما كنت تأتى من أحد الشركات المعروفة فى السوق أم لا. هى منظومة تخلق احتكار للبعض Oligopoly وتغلق المنافسة على شريحة ضيقة من السوق.

وبينما إبقاء مجالات الحوار مع جميع فئات المجتمع شىء هام وحيوى ومحمود وبالذات مع من يوظفون الآلاف فى أعمالهم ولكن المهم أيضا أن تبقى الحكومة على نموذج تنمية شامل واحتوائى لجميع فئات المجتمع حتى لا تتكرر مأساة بداية الألفينيات من نمو يشبه كفة الميزان المائلة والتى تسببت فى النهاية فى نتيجة دفع ثمنها الجميع.

 

 

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات