فى هذه السلسلة من المقالات بعنوان «أمام المرآة»، أضع نفسى مع صانع القرار أمام مرآة النقد الذاتى. وإن كنت لا أشاركه فى عملية اتخاذ القرار إلا أننى أشاركه فى حب هذا الوطن الغالى، الذى خرجت من قلب عاصمته النابض، بعد تخرجى فى الجامعة منذ أكثر من ثلاثين عامًا. وعملت فى قطاعات تعتبر مقياسًا لإيقاع الاقتصاد المصرى حتى استقرارى حاليًا فى مجال إدارة صناديق الاستثمار الدولية من أهم عواصم المال والاقتصاد الأوروبية، ولكن يظل قلبى وعقلى ساكنين بمصر، أتحين فرص الاستثمار بها بفارغ الصبر، متمنيًا لها الرفعة والتقدم والرخاء، التى لن تتحقق دون شجاعة النقد البناء من كل غيور على وطنه. هى مجموعة مقالات ترددت كثيرًا قبل كتابتها. ففى بعضها سيظننى القارئ منتقدًا وفى مقالات أخرى سيظننى مدافعًا عن الأداء الحكومى بينما الغرض الحقيقى من هذه المقالات هو التحليل وإلقاء الضوء على ما أراه فرصًا وتحديات. فأرجو أن يتسع صدر الجميع لرؤيتى والتى قد تصيب أو تخطئ ولكنها فى كل الأحوال تأتى من منطلق وطنى خالص.
منذ سنوات عديدة حضرت اجتماعًا نظمته غرفة التجارة الأمريكية فى القاهرة وكان يحضره السيد وزير المالية فى وقتها (وليس الوزير الحالى). وفوجئت به وقتها يقول إن السياحة خرجت من محور تركيز الدولة لأنها تتأثر بأقل الظروف وبالتالى لا يمكن الاعتماد عليها. كان يقصد التهديدات الإرهابية. ولكن مؤخرًا حدث تحول نوعى فى التوجه الحكومى نستشعره فى التصريحات ولكن أيضًا فى الدعم المادى للقطاع وفى خطط التطوير المختلفة للفنادق والمطارات. هو تحول طالما نادينا به. فى نوفمبر ٢٠١٩ كتبت مقالاً بعنوان «الاستثمار فى البشر» كتبت فيه «دائمًا ما أرى أن السياحة هى نفط مصر. هى السلعة الموجودة لدينا بوفرة ولا تنضب. أعلم أن التفكير العام عن السياحة أنها دائمًا على كف عفريت بسبب الإرهاب اللعين ولكن، فرنسا تعانى من الإرهاب، وكذلك إسبانيا وإندونيسيا وأعداد السياح بها ما زالت أكبر بكثير من أعداد السياح لدينا. لماذا لا نجعل السياحة هدفًا قوميًا نلتف حوله ونرفع مستوى التعليم له وننشئ مراكز تدريب متخصصة لجميع المهن المتعلقة والداعمة. لماذا لا ننظر إلى بنيتنا الأساسية من وجهة نظر تسهيل وتحسين تجربة السائح بغرض زيادة أعداد السياح السنوية وزيادة معدل عودة السائح لزيارة مصر وزيادة معدل انفاقه اليومى؟».
وبينما تقوم الحكومة بجهود محمودة لعمل نقلة نوعية فى هذا الصدد ففى تقديرى أننا ما زلنا نحتاج إلى أن نقدر الفرصة حق قدرها. لا يكفى أن نحسن من أداء المرافق، فى تقديرى أن مصر تحتاج إلى أن تغير من استراتيجيتها القومية لتصبح السياحة المحور الأول. منذ أسابيع قليلة نشرت بلومبرج مقالاً بعنوان «المغرب تتغلب على مصر كأكثر البلاد زيارة فى إفريقيا». مع احترامى الكامل للمغرب وشعبها الشقيق لكن إمكانياتها لا تقترب من ربع الإمكانيات التى حبا الله مصر بها. فكيف يحدث هذا؟ فى تقديرى أن روشتة العلاج تحتاج إلى الآتى:
أولاً: أن ترسم مصر استراتيجية قومية جديدة تقوم على السياحة كعمود أساسى تخدمه باقى الوزارات.
ثانيًا: أن ترسم مصر استراتيجية سياحية تناسب التنوع الرهيب وأعيد الكلمة مرة أخرى «الرهيب» فى الإمكانيات السياحية المصرية. واكتشاف الجوانب التى لم يتم اكتشافها وتطويرها بالكامل بعد مثل سياحة الطعام والسياحة الصحراوية والرياضات المائية والهوائية .. إلخ، ويستحق كل نوع من أنواع السياحة المذكورة أعلاه أن نفرد له مقالاً بل سلسلة مقالات كاملة.
ثالثًا: أن يكون فى وزارة السياحة إدارات متخصصة للمنتجات السياحية المختلفة مهمتها تطوير المنتج السياحى المعنى. وكذلك أن تكون هناك إدارة عليا هدفها خلق واكتشاف وتعزيز أوجه التعاون بين هذه الإدارات.
كلمة أخيرة: قامت مصر مؤخرًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير -بشكل غير رسمى، وأعلنت الحكومة مؤخرًا أنها ستقوم بافتتاحه رسميًا فى يوليو المقبل وأنها تعد احتفالاً عالميًا يليق بالحدث التاريخى المهم. يحتل هذا المتحف فى تقديرى المركز الأول فى الأهمية بين متاحف العالم كافة وسيكون سببًا مباشرًا فى مضاعفة معدلات السياحة إلى مصر. السائح فى العالم الغربى يخطط لرحلته قبلها بشهور وأحيانًا بسنوات. فكيف لم نعلن موعد الافتتاح الرسمى للمتحف الكبير إلا قبلها بشهور قليلة؟ افتتاح المتحف كان يجب أن يتم الإعلان عنه قبلها بوقت كافٍ ولكن أما وقد تم الإعلان فأملى أن يصاحبه زخم عالمى وأن يتم تنظيم حفل الافتتاح من قبل منظمين عالميين فهى فرصة تأتى فى العمر مرة وأرجو أن نستغلها بأفضل شكل ممكن.