هل تتحقق نبوءات انهيار الجنيه؟ - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 14 فبراير 2025 1:21 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل تتحقق نبوءات انهيار الجنيه؟

نشر فى : الخميس 13 فبراير 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الخميس 13 فبراير 2025 - 8:05 م

فى هذه السلسلة من المقالات بعنوان «أمام المرآة»، أضع نفسى مع صانع القرار أمام مرآة النقد الذاتى. وإن كنت لا اشاركه فى عملية اتخاذ القرار إلا أننى أشاركه فى حب هذا الوطن الغالى، الذى خرجت من قلب عاصمته النابض، بعد تخرجى فى الجامعة منذ أكثر من ثلاثين عاما. وعملت فى قطاعات تعتبر مقياسا لإيقاع الاقتصاد المصرى حتى استقرارى حاليا فى مجال إدارة صناديق الاستثمار الدولية من أهم عواصم المال والاقتصاد الأوروبية، ولكن يظل قلبى وعقلى ساكنين بمصر، أتحين فرص الاستثمار بها بفارغ الصبر، متمنيا لها الرفعة والتقدم والرخاء، التي لن تتحقق دون شجاعة النقد البناء من كل غيور على وطنه. هى مجموعة مقالات ترددت كثيرا قبل كتابتها. ففى بعضها سيظننى القارئ منتقدا وفى مقالات أخرى سيظننى مدافعا عن الأداء الحكومى بينما الغرض الحقيقى من هذه المقالات هو التحليل وإلقاء الضوء على ما أراه فرصا وتحديات. فأرجو أن يتسع صدر الجميع لرؤيتى والتى قد تصيب أو تخطئ ولكنها فى كل الأحوال تأتى من منطلق وطنى خالص.
فى حواراتى مع الأصدقاء فى مصر وكذلك فى قراءاتى أجد دائما موضوع قيمة الجنيه أو سعره أمام الدولار الأمريكى بالذات واردا وبشدة. وكيف لا يكون وقد أصبح أحد أهم عوامل التقييم خاصة بعد ارتفاعه المفرط خلال السنوات القليلة السابقة. بدأت أستشعر مؤخرا من جديد نبرة تشاؤم حتى من المتخصصين بالنسبة للتقييمات المتوقعة للجنيه أمام الدولار حتى أن أحد الأصدقاء كتب توقعاته مؤخرا فى مقال فى جريدة الشروق وكان أفضلها أسوأ من السعر الحالى ورفض تقديم التقييم المتشائم لأنه فى تقديره سيئ جدا.
عند تقييم أي أصول، نقوم دائما بتحليلين. التحليل الأول يسمى Top down أى من الأعلى لأسفل ويعنى فى هذه الحالة أن نبدأ بتقييم الموقف الاقتصادى والجيوسياسى العالمى نزولا لتأثير ذلك على الاقتصاد المصرى تحديدا. ثم نقوم بتحليل يسمى Bottom Up أى من الأسفل لأعلى مما يعنى فى هذه الحالة تقييم الموقف الاقتصادى داخليا صعودا لتأثير ذلك على التقييم الذى وصلنا له فى المرحلة الأولى.
وبالنسبة لتقييمنا للجنيه فى عامى ٢٠٢٥ و ٢٠٢٦ فباختصار هذه أهم المعطيات:
١- يتوقع أغلب العاملين فى الأسواق هبوط معدل الفائدة فى مصر حوالى ٦% بشكل سريع فى عام ٢٠٢٥. ويأتى هذا التوقع على خلفية هبوط معدل التضخم بسبب ما يسمى بالBase Effects أو تأثير عامل الأساس. فتاريخ التعويم فى مارس ٢٠٢٤ معناه أن بدءا من مارس ٢٠٢٥ ستكون المقارنات السنوية مع عامل أساس مرتفع وبالتالى سيهبط معدل التضخم بشدة مما سيتيح تخفيضا سريعا فى معدل الفائدة وهذا صحيح. ومع ذلك فأنا لا أتفق مع توقعات الهبوط الشديد السريع لسببين:
• توقعى أن معدل التضخم بالفعل سينخفض بشدة على أساس سنوى فى مارس ولكن بدءا من الصيف أو على أبعد تقدير الخريف سيستأنف الارتفاع. بمعنى أنه سيكون أقل على أساس سنوى ولكنه سيكون أعلى فى ديسمبر ٢٠٢٥ بالمقارنة بمثيله فى إبريل ٢٠٢٥ وذلك معناه أن البنك المركزى سيحتاج أن يحافظ على هامش حتى يبقى معدل الفائدة الحقيقى مرتفعا (معدل الفائدة الحقيقى هو سعر الفائدة بعد خصم معدل التضخم).
• وزير الخزينة الأمريكى الجديد يأتى مع خلفية أيديولوجية واضحة فى إدارة الخزينة الأمريكية فهو يريد أن يطيل من أمد الديون الأمريكية عن طريق طرح سندات طويلة الأجل أكثر من سندات الخزينة قصيرة الأجل عند إعادة التمويل الربع سنوية التى تقوم بها الخزينة الأمريكية. هذا يعنى أن سعر الفائدة على الدولار الأمريكى أمد العشر سنوات سيظل مرتفعا فى ٢٠٢٥ و بدايات ٢٠٢٦ مما سيشكل ضغطا على سعر الفائدة فى مصر ليبقى فى مستوى مرتفع نسبيا.
٢- بقاء معدل الفائدة على أجل العشر سنوات مرتفعا معناه كارثة لترامب الذى يعتبر البورصة مقياسا حقيقيا ويوميا لنجاحه أو فشله. فمعدل الفائدة المرتفع معناه تشديد الظروف المالية وهو ما يعنى ضغطا على الأسواق فماذا سيفعل ترامب وسكوت بيسينت وزير الخزينة الأمريكى القادم؟
توقعى أن الولايات المتحدة ستتراجع عن تشديد القواعد للبنوك الأمريكية بدءا من التراجع الفورى عن تنفيذ توصيات بازل ٣ المصرفية ومرورا بتقليل اشتراطات الاحتياطيات النقدية مما سيعنى فيضا وافرا من السيولة الجديدة التى ستضخ فى الأسواق سنشعر بتأثيرها فى جميع الأصول المتداولة فى الولايات المتحدة أولاً ثم سيصب الفائض منها فى بقية أسواق العالم ومنها مصر.
٣- الارتفاع المبالغ فيه فى سعر الدولار أمام العملات العالمية كلها تقريبا معناه أن الصادرات الأمريكية ستجد صعوبة فى إيجاد أسواق وذلك عكس ما يريده ترامب. الحل سيكون فى تقديرى فى تخفيف الكلام عن التهديد بفرض جمارك فى الولايات المتحدة والذى كان العامل الأول فى انهيار أغلب العملات أمام الدولار منذ انتخاب ترامب (وهو أحد الرهانات التى قمنا بها فى ٢٠٢٤).
أتوقع أن يقوم ترامب بذلك فى الشهور الأولى لفوزه مما سيعنى هبوطا مؤقتا لقيمة الدولار أمام أغلب العملات العالمية ومنها الجنيه.
4- اقتربت مصر من إنهاء الفترة الصعبة فى سداد الديون الخارجية أو ما يعرف بالDebt maturity wall وذلك يعنى عودة مصر لأسواق الدين العالمية وتمكنها من الحصول على تمويل تجارى بأسعار معقولة لسد جزء من الفجوة التمويلية وقد بدأ حدوث ذلك بالفعل منذ أسابيع قليلة.
كل عام نتفكر فى مهنتنا فى أهم التوجهات الاقتصادية للعام. ومن ضمن أهم أفكار العام هى فكرة «الفرص الاستثمارية المعاكسة» أى التى لا يتفق عليها جمهور المحللين. حاولت فى الثلاث نقاط أعلاه إبراز أهم العوامل التى أراها تؤثر على الجنيه فى ٢٠٢٥ و٢٠٢٦ ولماذا أرى أن من أهم الأفكار العكسية بالنسبة لى هذا العام هى قناعتى أن الجنيه هذا العام فى وضع أفضل بكثير من أراء أغلب المحللين. بالعكس، أرى أن الدولار فى الظروف العادية سينهى عام ٢٠٢٥ عند ٥٠ جنيها تقريبا. وفى أسوأ الظروف ٥٥ جنيها ولكن يبقى سيناريو وردى ولا أراه بعيدا حيث نتمكن من إدخال سيولة أجنبية من جراء بيع لأصول جديدة أو تقديرا لدور مصر السياسى فى المنطقة مع انفراجة فى السيولة عالميا. إذا حدث ذلك مع النقاط أعلاه لا أستعجب إذا وجدنا الدولار يتداول عند ٤٠ جنيها تقريبا فى ٢٠٢٦.
هناك مقولة شهيرة لمارك توين يحبها العاملون فى مجالنا «التاريخ لا يتكرر ولكن غالبا ما يتناغم» History doesn’t repeat itself but it often rhymes. فنحن دائما ما نحاول أن نبحث عن فترات مشابهة فى التاريخ للظروف الحالية لاستقراء التوقعات. فى تقديرى أن الفترة الأشبه بالفترة الحالية هى من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٨ حيث هبط سعر الجنيه أكثر من اللازم واستطاع على مدار شهور معدودة من استعادة جزء ليس بصغير مما فقده. تقديرى أننا ندخل فى فترة مماثلة. وإن كان هناك مخاطر ضد ومع العملة المصرية فتقديرى أن المخاطر التى تساند العملة Tail Risks أكثر بكثير.
سلسلة أمام المرآة هى سلسلة مقالات تطرح فكرة مغايرة للدارج فلماذا رأيى هذا مثير للجدل؟ فى فبراير ٢٠٢٣ كتبت مقالا بعنوان «ضوء فى نهاية نفق الاقتصاد» سردت فيه إيجابيات أراها فى الأداء الاقتصادى ومع إنى عددت المحاذير من هذا التفاؤل فوجئت بهجوم من صديق اتهمنى فيه بالانفصال عن الواقع المصرى. يومها عرفت أن التفاؤل أو الرأى الإيجابى قد يكون أكثر إثارة للجدل من النقد أحيانا. وها أنا أقولها مرة أخرى، الاقتصاد المصرى اليوم ينظر إلى إمكانيات إيجابية واحتمالات النجاح الذى يؤثر إيجابيا على قيمة الجنيه متعددة وتبقى المحاذير المعتادة فهل نستغل الفرصة السانحة؟

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات