أحقا هو يمين منزوع الدسم؟! - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 يوليه 2024 12:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحقا هو يمين منزوع الدسم؟!

نشر فى : الجمعة 5 يوليه 2024 - 8:25 م | آخر تحديث : الجمعة 5 يوليه 2024 - 8:25 م

تطوَّر فى إسرائيل، فى العقود الأخيرة، خاصة بعد انقلاب عام 1977م، يمينٌ منفلت، لا حدود لجموحه. يمين استقوائى، العنف دينه. يمينٌ استيطانى، توسعى، يضع نصب عينه قضم والتهام ما تبقى من الضفة الغربية. يمين يتلمظ بالقدس الشرقية، يضيق على من بقى صامدا فيها من الفلسطينيين، بوسائل شتى، بهدف إزاحتهم منها. يمين يغض الطرف عن الجماعات اليهودية المتطرفة - من داخل وخارج إسرائيل - التى تتحايل، بالسبل القانونية وغير القانونية، من أجل انتزاع ملكيات بعض بيوت الفلسطينيين، توطئة لتهويدها. يمين يتربص بالمسجد الأقصى. يتحين اللحظة المناسبة لوضع موطئ قدم فيه، عبر تقسيمه، زمانيا ومكانيا، على غرار ما هو معمول به فى المشهد الإبراهيمى بمدينة الخليل.

فى يوم الأربعاء، 5/6/ 2024م، فى الذكرى السابعة والخمسين للاستيلاء على مدينة القدس، اقتحم الآلافٌ من المتطرفين اليهود الأحياء الفلسطينية بالبلدة القديمة بالمدينة، واعتدوا على السكان الفلسطينيين، فى إطار ما يُسمَّى «مسيرة أورشليم»، أو «مسيرة الأعلام»، واقتحموا باحات المسجد الأقصى الشريف، وتفاخر الزعيمان اليمينيان المتطرفان، اللذان قادا المسيرة، وزير الأمن القومى الإسرائيلى، وعضو الكابينيت، إيتمار بن جفير، ووزير المالية الإسرائيلى، وعضو الكابينيت، بتسلئيل سموتريتش، بخرق ما يُسمّى، فى الأدبيات الإسرائيلية، بـ «اتفاق الوضع الراهن»، حيث لم يكتفيا بعملية الاقتحام، وإنما أديا ومعهما جموع من المتطرفين صلوات فى باحاته.

وتفاخر بن جفير، قائلاً بالحرف الواحد: «اليوم وطبقا لما أتبعه من سياسات، دخل اليهود البلدة القديمة، وصلوا فى (جبل البيت) - الحرم القدسى الشريف - بحرية كاملة. نحن نقول بشكل لا لبس فيه، إنه - أى المسجد الأقصى - لنا. يجب دحر حماس وحزب الله من خلال الحرب، من خلال الحرب فقط. نحن نقول لهم (أورشليم) لنا. باب العامود لنا. (جبل البيت) لنا».
أما سموتريتش، فلم يكن أقل استقواءً وتبجحا من بن جفير. إذ دعا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من قلب ساحة (الحائط الغربى) - حائط البراق - بالاستمرار فى الحرب، قائلاً: «إننى أدعو رئيس الحكومة، من هنا، من ساحة (الحائط الغربى) من المكان الذى يبدأ منه كل شىء، وفى هذا التوقيت الخاص، سيدى رئيس الحكومة، لتستمد القوة من الآلاف المؤلفة الموجودين هنا واعط الأمر. شن حربا على حزب الله. اقهره، أبده، انقل الشريط الأمنى من الجليل إلى جنوب لبنان. يعرف وحوش حماس، أن كل شىء يبدأ من هنا، من هذا المكان! وأن علاقتنا الحية والقوية والعميقة بـ (أرض إسرائيل) تبدأ من هنا، من (أورشليم) من (جبل البيت) من التاريخ، من الوعد الإلهى، من التوراة».

ووبَّخ، توم نيسانى، مدير عام التنظيم اليهودى، المتطرف،«من أجل أن يكون (جبل البيت) بين أيدينا»، نتنياهو قائلاً له: «هل أزعجتك بضع كلمات (صادقة) قالها الوزير بن جفير عن حرية اليهود فى (جبل البيت)؟ ما الذى أزعجك، يا بيبى؟ نحن فى ذروة حرب من أجل (حقنا) فى هذه الأرض وفى القلب منها (جبل البيت). لقد خوَّفتنا أنت وهيئة الأمن لسنوات من اندلاع حرب، وها قد اندلعت، فيما اليهود لم يصلوا بعد فى (جبل البيت). سنستمر، يا بيبى، بك أو بدونك، فى (تحرير جبل البيت) وممارسة العبادة به بحرية، وفى رفع رايات إسرائيل وتحقيق السيادة الكاملة، هذا الأمر يحدث بالفعل، وعما قريب سيتحقق الحلم بكامله. هذا وعدنا».
يمين يتغذى على فتاوى الحاخامات، الذين يجيزون، حتى قتل الأطفال، حتى فى أوقات السلم بحجة أنهم قد يمثلون، حين يشبون عن الطوق، تهديدا على اليهودى (انظر كتاب: «شريعة الملك»، للحاخامين: يتسحاق شبيرا، ويوسف إليتسور، الجزء الأول، الصادر عام 2009م). يمين عنصرى، يقتات على المصادر الدينية اليهودية، التى ترى فى كل نسل العرب ـ الإسماعيليين، بحسب التسمية الدارجة فى المصادر اليهودية، نسبة إلى إسماعيل ابن إبراهيم - كمَّا زائدا، ندم الرب على خلقهم (انظر الجمارا -حواشى التلمود - مبحث سوكا).
• • •
نحن لا نتحدث عن مصادر قديمة، ولا نطالب بالتدخل فيها، كما نُطالَب، نحن المسلمين، بمراجعة مصادرنا وتراثنا الدينى، وإنما نتحدث، أيضا، عن عنصرية يتبناها حاخامات معاصرون، منهم، على سبيل المثال، لا الحصر، الحاخام يتسحاق جينزبورج، المرشد الروحى لكثير من المستوطنين المتطرفين، الذى قال، فى حديث صحفى أجرته معه صحيفة «معاريف» عام 2001م: «هناك مفهوم «العالم الثالث»، العالم الأكثر بدائية فى سلم الشعوب، المقصود به العالم العربى، الذى تحفزه طبيعته الحيوانية على قتلنا وإبادتنا. الشعب اليهودى طبقا للقبالا (التصوف اليهودى) هو المخلوق البشرى الأكثر تقدما سواء فى العقل أم فى العاطفة، لكن يشمعئيل (إسماعيل/ بنى إسماعيل) شعبٌ من العبيد، ومن طبيعة العبد أنه فاجر ومنفلت».

تقود هذه العنصرية إلى تبنى أفكار وخطط لطرد كل الفلسطينيين من داخل إسرائيل؛ إذ تخضع العلاقة معهم، طبقا لـ جينزبورج، إلى قوانين الشريعة اليهودية، التى تحظر استيطان من هم ليسوا يهودا استيطانا دائما فى البلاد. لم تفرق عنصرية المصادر اليهودية ولا عنصرية الحاخامات المعاصرين بين عرب متصهينين، تهفو أفئدتهم وقلوبهم إلى صهيون، ويعلقون آمالاً على «قوتها ودعمها» وعرب غير متصهينين يرون فى صهيون والصهيونية شرا مستطيرا.
• • •
من دواعى السخرية، أن هذا اليمين، المصاب بالسعار، اليمين الجهنمى، الذى ما يفتأ يطلب المزيد والمزيد، يبدو، فى نظر البعض، يمينا رخوا، ضعيفا، ضل الطريق، يفتقر إلى أيديولوجية واضحة، ثمة فجوة بين وعوده وما يجرى على أرض الواقع، همه الأكبر الوصول إلى السلطة. من أجل هذا، نشأت، بعد السابع من أكتوبر، حركة يمينية جديدة، تطلق على نفسها اسم: «الجبهة المدنية»، تتكون من مجموعة من المحاربين، والقادة العسكريين، وبعض أسر الثكالى، وبعض سكان غلاف غزة ، ومحاربين فى نسق " السايبر".
تنتقد الحركة أداء قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة وزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير. أصدرت الحركة، بمناسبة «أسبوع الكتاب»، إصدارا شعريا عنوانه: «بوصلة إيتمار» يتهم الإصدار الشعرى بن جفير بالابتعاد عن قيم اليمين، وبنقض وعوده للناخبين، بحسب شيريت أفيتان كوهين فى صحيفة «يسرائيل هيوم»، ويتتبع تطور حياته منذ نشأته فى مستوطنة يهودية بالخليل، وصولا إلى طموحه فى أن يصبح زعيما. يفقد بن جفير، كما تصف أحداث الإصدار الشعرى، هويته الأيديولوجية بالتدريج ويفقد الاتجاه، ويتحول من صبى صاحب رؤيا إلى ناشط حزبى يكتفى بتصريحات فارغة ويتهرب من المسئولية. يمثل بن جفير، بحسب دفورا جونين، مدير عام الحركة اليمينية الجديدة، رمزا للفشل فى الوفاء بتطلعات ناخبى اليمين. أترك القارئ الحصيف مع ترجمة الإصدار الشعرى:
«فى مستوطنة يهودية بين برج وجبل.. نشأ الصبى إيتمار فى دَعَة.. أحب الصبى إيتمار اللعب جدا.. أحيانا لاعب وسط، أحيانا مهاجما.. حين كان الصبى إيتمار يجول فى المستوطنة.. كان الزهو يملؤه مستشعرا أهميته.. وحين بدأ يسبب قلقا للجيران العرب.. صاح عندئذ إيتامار - سأكون زعيما أيضا.. آمن الصبى إيتمار بالفعل، بأنه سيقود اليمين ذات يوم! وعكف منذ الصباح وحتى الليل على شريعة، كهنا (الحاخام العنصرى ميئير كهنا) الذى صَدَق وذهب إلى مباريات «بيتار» (اسم فريق كرة قدم سُمى باسم حركة شبيبة صهيونية متطرفة).. لم يفوت واحدة. كان يحدو الصبى إيتمار أملٌ كبير.. أنا إيتمار الصغير، سوف آتى بالخلاص! لكن القصة تحولت هنا إلى قصة حزينة ومزعجة... فقد نسى أين اليمين، ونسى أين اليسار، وفجأة بدأ يجافيه الحلم فى أن يكوم زعيما كبيرا. عرف الصبى إيتمار ما يعرفه الجميع، أن الزعماء الحقيقيين لا يفقدون الاتجاه. ومن ثم بدلاً من أن يبكى ويشكو، انطلق إيتمار فى رحلة! رحلة البحث عن البوصلة! انطلق من المستوطنة اليهودية ذاتها، يحمل صُرَّة وعصا وصاح: «هلم يا رفيقى»! وهكذا انطلق إيتمار فى مهمته، كله من أجل أن يكون ذات يوم على رأس القائمة... لكن خللا كبيرا أصابه وهو لم يزل بعد فى بداية الطريق، كيف انطلق الصبى إيتمار فى رحلته، إذا كان يجهل الطريق؟ ماذا ستفعل، أصلاً، حين لا تفرق بين اليسار واليمين؟ هكذا بدأ الصبى إيتمار، يدور بداخل دائرة... وراح إيتمار يطوف فى دوائر... صارت الأيام ليالى، والليالى أياما... وبدلاً من أن يهتم بما هو مهم... أصبح الصبى إيتمار حزينا جدا جدا... لأن إيتمار أدرك ما تعلمناه من زمن، من أن الزعيم بلا طريق، ليس زعيما، وإنما ناشط حزبى… ثم بعد سنوات من السير داخل دائرة، عاد إيتمار إلى المستوطنة منزعجا بعض الشىء... فقد تذكَّر فى أعماق أعماقه أنه يمين، هذا صحيح، ليس يمينا رخوا، وإنما يمينٌ من الخليل! ليس يمينا يطلب إذنا، ليس يمينا اعتذاريا، ليس يمينا منكفئا، لو أنه فقط وجد البوصلة، لأنقذ ربما إسرائيل. لكن إيتمار الصبى كان مشوشا، فقد نسى البوصلة التى فقدها منذ فترة طويلة. كان الصبى إيتمار محبطا، وحزينا ولم يكف عن البكاء. لأن إيتمار أدرك أنه ما يزال يمينا بدون البوصلة. يمينا. لكن منقوصا».

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات