انتخابات أمريكا وفرنسا وإنجلترا وإيران.. أسئلة الحروب والتسويات - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 6 أكتوبر 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات أمريكا وفرنسا وإنجلترا وإيران.. أسئلة الحروب والتسويات

نشر فى : الإثنين 8 يوليه 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يوليه 2024 - 6:20 م

أربعة اقتراعات فى أربع دول، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيران، تحمل فى ثناياها تغييرات دراماتيكية على التوازنات السياسية الداخلية، وتجر تبعات على الساحة الدولية وعلى الحروب والأزمات التى تذر قرنها فى غير منطقة من العالم.
لم يعد السؤال لماذا يُبدى الرئيس الأمريكى الديمقراطى جو بايدن كل هذه الأنانية، ويصر على قيادة لائحة حزبه فى انتخابات نوفمبر المقبل. النتائج تكاد تكون معروفة سلفًا منذ ليلة المناظرة فى 27 يونيو الماضى فى مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب؟
السؤال، لماذا ترك الكبار فى الحزب الديمقراطى، أمثال الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون، الأمور تصل إلى هذا الحد من التدهور، ولم يحاولوا إقناع بايدن قبل عام من الآن بأن يُفسح المجال لمرشح ديمقراطى آخر؟ ربما حاولا، ولم يقتنع الرئيس بالفكرة وأصر على أنه قادر جسديًا وذهنيًا على القيام بأعباء الرئاسة لأربع سنوات مقبلة. ظهرت تغريدة أوباما عبر منصة إكس، التى أعلن فيها دعمه لبايدن عقب المناظرة، وكأنها «تصرف مستوحى من الشعور بالذنب»، وفق صحيفة «الجارديان» البريطانية.
تُظهر استطلاعات الرأى أن ولايات يجب أن يفوز بها بايدن للبقاء فى البيت الأبيض، صار ترامب يتقدم فيها مثل فيرجينيا ومينيسوتا ونيومكسيكو. هذا واقع دفع حتى الآن نائبين ديمقراطيين ورئيس لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ الديمقراطى مارك وارنر، للمطالبة بانسحاب بايدن الآن قبل فوات الأوان. كما أن المتبرعين الكبار الذين تعتبر أموالهم عاملًا حاسمًا فى معركة بايدن، يراقبون عن كثب ويزداد تشككهم بقدرات الرئيس الحالى.
الذين يعرفون بايدن يُدركون بأنه عنيد، ولا يزال يتمسك بفكرة أنه الوحيد القادر على هزيمة ترامب وإنقاذ الديمقراطية فى الولايات المتحدة. عنادٌ يشبه عناد ترامب نفسه!
• • •
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر بشكل انفعالي في 9 يونيو الماضي إجراء انتخابات تشريعية مبكرة رداً على الهزيمة المدوية لحزب النهضة الوسطي الذي يتزعمه في انتخابات البرلمان الأوروبي والفوز المدوي لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وللجبهة الشعبية الجديدة التي يقودها زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري التروتسكي السابق جان-لوك ميلانشون.

جاءت نتائج الانتخابات التشريعية بفرنسا بتصدر تحالف اليسار للانتخابات وحصول التحالف الرئاسي على المرتبة الثانية أما اليمين المتطرف فجاء ثالثا. مع عدم تمكن أي تحالف من تحقيق الأغلبية المطلقة.

• • •
فى بريطانيا، منح الناخبون والناخبات تفويضا لحزب العمال بزعامة كير ستارمر لم يحصل عليه الحزب حتى عندما كان بزعامة تونى بلير فى التسعينيات الماضية. لكن إصلاح الفوضى التى خلّفها حكم المحافظين الذى اتسم بالشعبوية منذ الخروج من الاتحاد الأوروبى قبل أربع سنوات، بقيادة ديفيد كاميرون وصولًا إلى زعامة تيريزا ماى وبوريس جونسون وليز تروس وانتهاء بالمصرفى ريشى سوناك، جعل بريطانيا فى أسوأ وضع اقتصادى منذ الأربعينيات الماضية.
الشعب البريطانى اختار العمال ليس اقتناعًا بأن ستارمر لديه عصا سحرية، وإنما عقابًا للمحافظين على سنوات حكمهم التى عادت ببريطانيا سنوات إلى الوراء. حزب نخرته الانقسامات وفضيحة تلو فضيحة، وصولًا إلى ترحيل الأشخاص اللاجئين إلى رواندا، الحل الذى ابتكرته وزيرة الداخلية السابقة سولا برفرمان، مع كل تعبيراته التى تفيض عنصرية.. وكانت النتيجة هزيمة انتخابية مدوية لا مثيل لها منذ تأسيس حزب المحافظين فى 1834 وانتصارًا لا مثيل له منذ عقود للعماليين الذين تأسس حزبهم مطلع القرن الماضى.
حكم المحافظين رفع نسبة البريطانيات والبريطانيين الذى لا يثقون بنخبهم السياسية إلى 45 فى المئة. وستارمر لا يملك ترف الوقت. وهو مطالب بإنجازات سريعة تحدث فارقًا مع الحكم السابق وإلا لن يطول به الأمر حتى يبدأ التذمر منه أيضًا.
ونظرًا إلى التفويض الذى يملكه حزب العمال، اليوم، ليس ثمة من ذريعة لعدم التحرك لإصلاح ما خربته شعبوية المحافظين، من الاقتصاد إلى الهجرة، إلى السياسة الخارجية وفى مقدمها اتخاذ موقف لا يقوم على المراوغة من الحرب فى غزة. من البريكست إلى جائحة كورونا إلى الحرب الروسية-الأوكرانية، كلها أحداث لعبت دورًا فى تأخير النمو الاقتصادى وتزايد الفقر، وجعل 7.5 مليون شخص ينتظرون العلاج فى الخدمة الصحية الوطنية التى تُموّلها الدولة البريطانية. السنوات الأخيرة، شهدت أرقامًا قياسية فى عدد الإضرابات التى نفّذها الأطباء وعاملون فى قطاعات صحية وخدمية أخرى.
هل يستطيع ستارمر إصلاح الحال؟ يصعب العثور على جواب.
• • •
المفاجأة المدوية، أيضًا كانت فوز المرشح الإصلاحى مسعود بزشكيان بالرئاسة الإيرانية فى مواجهة المرشح المحافظ سعيد جليلى، وما يمثله ذلك من استعادة التوازن داخليًا فى مواجهة مجلس شورى (برلمان) متشدد وإحكام القبضة على كل مؤسسات الدولة من المحافظين (مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء والسلطة القضائية)؛ بالإضافة لما يعنيه فوز رمز إصلاحى لجهة إمكان إعادة فتح الأبواب على مصراعيها مع الغرب واستئناف المفاوضات النووية غير المباشرة.
بزشكيان، جرّاح القلب، يعتقد أن الطريق إلى استعادة ثقة الناس بالنظام تمر عبر انعاش الاقتصاد، وبأن لا سبيل لتحقيق ذلك، من دون رفع العقوبات الأمريكية، والطريق إلى ذلك تمر بالتوصل إلى اتفاق على إعادة العمل باتفاق 2015 مع القوى الغربية، أو بالتوجه إلى مفاوضات جديدة.
كذلك، يتحدث بزشكيان عن تعزيز دور المرأة فى المجتمع والتعامل بإيجابية مع مطالب المحتجات والمحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع عقب وفاة مهسا أمينى عام 2022 فى مركز للشرطة، التى اعتقلتها بسبب عدم التزامها قواعد ارتداء الحجاب الصارمة.
انتخاب بزشكيان الذى يحظى بتأييد الرئيسين السابقين الاصلاحى محمد خاتمى والمحافظ الوسطى حسن روحانى ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف (مستشار حملته الانتخابية)، يشى بمقاربة إيرانية جديدة، فى مواجهة الضغوط الغربية، واستعدادًا لمرحلة قد يعود فيها ترامب إلى البيت الأبيض، وبالتالى أولوية تحصين الجبهة الداخلية الإيرانية وإعطاء إشارات إلى الخارج بنية الاتفاق لا الاشتباك.
وأكثر ما كان يُقلق النظام الإيرانى هو نسبة المشاركة المتدنية فى الانتخابات مجلس الشورى فى مارس (41 فى المئة) وفى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الحالية فى 28 يونيو (40 فى المئة)، وهذا الرقم الأخير هو الأدنى منذ قيام الجمهورية الإسلامية فى عام 1979. بهذا المعنى، نجح النظام فى جذب شريحة من الإصلاحيين والمترددين وربما من المحافظين أنفسهم للاقتراع لبزشكيان ما رفع نسبة التصويت إلى نحو 50 فى المئة.
وبرغم أن خامنئى يعود إليه القول الفصل فى السياسة الخارجية، يبقى للرئيس الإيرانى الذى يُعتبر الشخصية الثانية فى النظام، دوره المؤثر فى القرار وتسيير شئون الدولة.
مع بزشكيان، يحمل انتخابه رسالتى تهدئة إلى الداخل والخارج، فى وقت تمر بها المنطقة بتوترات عالية بفعل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ومخاطر توسعها نحو لبنان وتحولها نزاعًا إقليميًا قد لا تبقى طهران بمنأى عنه وربما يضعها فى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
• • •
فى محصلة هذه الجردة الانتخابية، نحن أمام عالم يتغير حتما فى ظل ما يُشبه الحربين العالميتين على أرض كل من أوكرانيا وغزة، فهل يتحمل العالم حروبًا جديدة أم تصب نتائج هذه الانتخابات فى خانة التمهيد للتسويات؟

سميح صعب
موقع 180

النص الأصلي

 

التعليقات