احـذر..منطقة وحوش - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

احـذر..منطقة وحوش

نشر فى : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 8:00 ص

قديما، كان هناك تحذير يوضع غالبا فى الخرائط على المناطق المعروفة بأنها خطرة أو غير مأهولة: «احذر، منطقة وحوش». ولا شك أن هذا بالضبط ما يجب أن يكتبه رسامو الخرائط على الشرق الأوسط بكامله اليوم.

 

فبعد انطلاق الصحوات العربية، كان منطقيا أن يكون المرء فى أسوأ الأحوال متحيرا، وفى أحسنها ممتلئا بالأمل بشأن احتمال أن تنجح هذه البلدان فى التحول الصعب من الحكم الاستبدادى إلى الديمقراطية. ولكن إذا نظر المرء بأمانة إلى المنطقة مؤخرا، سيجد أن احتمالات حدوث تحولات مستقرة إلى الديمقراطية فى وقت قريب صارت ضعيفة. وقد يكون من السابق لأوانه التخلى عن الأمل، لكن ليس من السابق لأوانه أن نبدأ فى القلق.

 

يعلم الله أن السبب لا يرجع إلى شجاعة الشباب العربى، والعديد من المواطنين العاديين، الذين أطلقوا هذه الصحوات، سعيا وراء الكرامة والعدل والحرية. وإنما لأن سلطة الحرس القديم وألاعيبه الباقية والأفكار القديمة فى هذه البلدان أعمق مما يرى معظم الناس، كما أن هشاشة المؤسسات والتقاليد والنماذج الديمقراطية، أو غيابها، أضخم.

 

●●●

 

يقول مايكل ماندلبوم، خبير السياسة الخارجية فى مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: «هناك مثل يقول إن بداخل كل شخص بدين، شخصا نحيفا يتوق إلى الانطلاق». ويضيف «ونحن نميل أيضا لتصديق أن بداخل كل حكم استبدادى، ديمقراطية تتوق إلى الانطلاق، لكن ذلك ربما لا يكون صحيحا فى الشرق الأوسط».

 

ويتابع مانلبوم قائلا إن ذلك القول كان ينطبق على أوروبا الشرقية عام 1989، ولكن هناك مظهرين للاختلاف بين أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. فقد كان لدى العديد من بلدان أوروبا الشرقية ماض ليبرالى قريب تلجأ إليه، بعد إزالة الشيوعية السوفييتية التى فرضت عليها بصورة مصطنعة. كما كان لدى أوروبا الشرقية نموذج مجاور ضاغط وجاذب لديمقراطية السوق الحرة: الاتحاد الأوروبى. ولا تملك معظم الدول العربية الإسلامية أيا منهما، لذلك، عندما انكشف غطاء الاستبداد الحديدى، لم تلجأ إلى الليبرالية، وإنما إلى الحكم الإسلامى، أو الطائفى، أو القبلى أو العسكرى.

 

ولا شك أن علينا أن نتذكر كم من الوقت أمضته أمريكا فى بناء نظامها السياسى الليبرالى، وألا ننسى الأحداث التى صنعت ما نحن عليه اليوم. فقبل أربع سنوات تقريبا، انتخبنا رجلا أسود اسمه باراك، كان جده مسلما، ليقودنا للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية خلال قرن. ونحن نبحث الآن اختيار واحد من طائفة المورمون بدلا منه، وكل ذلك يبدو طبيعيا تماما. ولكن هذا الوضع الطبيعى تحقق خلال أكثر من 200 سنة، وعبر حرب أهلية.

 

ومازال العرب والأفغان فى أول عقد لهم. ونحن نرى السرعة التى أحال بها النظام فى سوريا النضال من أجل الديمقراطية إلى حرب طائفية. ويجب أن نتذكر أن المعارضة فى سوريا بدأت إلى حد كبير كحركة قومية، شعبية سلمية، من أجل تحقيق تغيير ديمقراطى. ولكن الرئيس بشار الأسد تعمد مواجهتها بالقتل وبث سموم الطائفية. حيث أراد أن يجعل من الصراع بين الأقلية العلوية التى ينتمى لها والأغلبية السنية فى البلاد وسيلة لتشويه سمعة المعارضة وتثبيت قواعد حكمه.

 

●●●

 

وكما كتب بيتر هارلنج وسارة بيرك، الخبيران فى شئون الشرق الأوسط الذين زارا سوريا، فى مقال نشر مؤخرا: «كان الوضع الأساسى للنظام يدفع المجتمع إلى حافة الهاوية، بدلا من الإصلاح. فبمجرد أن بدأت الاحتجاجات... عرضت وسائل الاعلام الحكومية لقطات لأسلحة عثر عليها فى أحد مساجد درعا، المدينة الجنوبية التى بدأت منها الاحتجاجات الأولى. وحذرت من أن اعتصاما فى حمص... كان محاولة لإقامة خلافة مصغرة. وكان هذا التلاعب يعنى أن النظام واثق من أن خطر الحرب الأهلية، من شأنه أن يجبر المواطنين والأطراف الخارجية على الحفاظ على بنية السلطة القائمة، باعتبارها الحصن الوحيد ضد الانهيار».

 

ونجد نفس النوع من أنواع التلاعب بالمشاعر فى أفغانستان. فقد أحرقت القوات الأمريكية بطريق الخطأ بعض المصاحف، واعتذر الرئيس أوباما. ومع ذلك انطلق الأفغان فى حالة من الهياج استمرت أسبوعا، وقتلوا أمريكيين أبرياء ردا على ذلك ولم يجرؤ زعيم أفغانى، حتى من حلفائنا، على القول: «انتظروا، هذا خطأ. فكل أسبوع يقدم مسلمون انتحاريون فى باكستان وأفغانستان والعراق، على قتل مسلمين آخرين ـ أناس مقدسون مخلوقون على صورة الله ـ ولا يكاد أحد يرفع صوته. لكن الانفجارات وعمليات القتل تندلع بسبب حرق أمريكيين للمصاحف بطريق الخطأ. ما الذى يعكسه رد فعلنا؟» وعليهم أن يديروا ذلك الحوار.

 

وفى مصر، يتضح كل يوم أكثر، أن الجيش استغل انتفاضة التحرير للتخلص من منافسه القديم على خلافة الرئيس حسنى مبارك؛ ابنه جمال ذو العقلية الأكثر إصلاحية. والآن، بعد أن تخلص الجيش من كل من الأب والابن، يظهر وجهه الحقيقى عبر إحالة عناصر أمريكية وأوروبية ومصرية من العاملين بالحقل الديمقراطى إلى المحاكمة، بزعم العمل مع «هيئات أجنبية» وكالة الاستخبارات الأمريكية، وإسرائيل، واللوبى اليهودى من أجل زعزعة الاستقرار فى مصر. ومن الواضح أن هذه تهمة ملفقة، غير أنها تهدف إلى تقويض مطالب الديمقراطيين بتخلى الجيش عن السلطة.

 

●●●

 

لقد انتهت مرحلة صحوة العرب ـ المسلمين. ونحن الآن فى خضم مرحلة الثورة المضادة، حيث تحاول أصابع الماضى خنق المستقبل. وأنا على استعداد لتدبر جميع الأفكار التى يمكن لنا فى الغرب أن نساعد بها قوى الديمقراطية بكياسة. ولكنها، فى النهاية، معركتهم. وعليهم أن يدركوا ذلك، وأتمنى أن لا تنتهى المعركة ـ كما يحدث كثيرا فى أرض الوحوش ـ بنجاح المتطرفين وابتعاد المعتدلين.

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات