حرب أوكرانيا فرصة جديدة لإسرائيل فى سوريا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب أوكرانيا فرصة جديدة لإسرائيل فى سوريا

نشر فى : السبت 5 مارس 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 5 مارس 2022 - 8:20 م

«المشى بين النقاط» أم الوقوف «فى الجانب الأسلم من التاريخ»؟ يبدو أن هذين التعبيرين قد أصبحا الأكثر رواجا واستخداما فى السجال الإسرائيلى العام خلال الفترة الأخيرة لتوصيف المعضلة المرتبطة بالسياسة الإسرائيلية المرغوب فيها حيال الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا. وتقف فى جذر هذه المعضلة الرغبة الإسرائيلية فى تجنُب استفزاز روسيا التى أصبحت لاعبا مركزيا، مفتاحيا، فى سورية، وقد يعرضون للخطر حرية الحركة التى يتمتع بها سلاح الجو الإسرائيلى فى مساعيه لمنع التموضع العسكرى الإيرانى فى سورية. فى المقابل، هناك توق إسرائيل إلى أن تكون جزءا من العالم الغربى وعضوا فى مجموعة الدول الديمقراطية، ولذلك، فهى لا تستطيع اتخاذ موقف يتعارض مع قيم هذا العالم، ومع مَن يقف على رأسه، الولايات المتحدة بصورة أساسية.
إسرائيل لا تزال تعتمد، حتى الآن، سياسة حذرة حيال روسيا، وتتجنب إصدار بيانات تنديد شديدة اللهجة ضدها.
ومع ذلك، ينبغى عدم الانجراف فى تصوير روسيا وكأنها دولة عظمى قادرة على كل شىء تقريبا، والاعتقاد أن مصير إسرائيل فى الجبهة الشمالية مرهون برحمتها.
إن القوة العسكرية الإسرائيلية قائمة فى حد ذاتها، وتدرك روسيا جيدا مدى قدرة إسرائيل على إحباط أهدافها فى سوريا وزعزعة الاستقرار الذى تسعى لتحقيقه منذ زمن بعيد، إذ أصبحت معادلة الردع متبادلة، وفى هذه المرحلة، لا توجد أى مصلحة لروسيا فى فتح جبهة إضافية جديدة فى مقابل إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية تعود بالنفع على موسكو أيضا، وهى التى تتنافس مع إيران على التأثير والسيطرة فى سوريا.
بصورة طبيعية، تنكب جهات إسرائيلية على تحليل الأخطار التى تضعها الخطوةُ الروسية حيال إسرائيل فى الحلبة السورية، غير أن هذه الجهات تميل إلى إغفال الإسقاطات السلبية المترتبة على ذلك على النظام السورى. وبصورة غير مفاجئة، يعلن بشار الأسد، حليف روسيا، تأييد الإجراءات الروسية. فخلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، قال الأسد إن روسيا لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما عن العالم بأسره، وعن مبادئ العدالة والإنسانية، وإن الدول الغربية تدعم الإرهابيين فى سوريا، والنازيين فى أوكرانيا وفى أماكن أُخرى من العالم. لكن على الرغم من ذلك، فإنه يمكن الافتراض أن وراء تعابير التعاطف الذى أبداه الأسد، ثمة تخوف جدى فى غرف المداولات فى دمشق من انعكاسات الحرب على الدولة السورية الهشة فى العديد من الجوانب والمستويات.
فى الجانب الاقتصادى، تكابد سوريا منذ سنة 2009 أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتعانى جراء نقص خطِر فى منتوجات أساسية، مثل القمح والنفط. روسيا هى مصدر القمح الأكثر أهمية إلى سوريا، بما يزيد على مليون طن فى السنة. وقد دفع الخوف من وقف معونات القمح من روسيا الحكومة السورية إلى عقد اجتماع استثنائى للبحث فى آثار الحرب على الوضع الاقتصادى فى سوريا، وخصوصا فى قطاعات الطاقة والغذاء والمواصلات البحرية. وقد أقرت الحكومة بضع خطوات ينبغى تنفيذها خلال الأشهر القريبة، من بينها إعداد قائمة بمنتوجات الاستيراد الأكثر حيوية، وضبط وإدارة مستودعات المنتوجات الأساسية المتوافرة، إلى جانب فحص إمكانية خفض أسعار بعض السلع الأساسية.
فى الجانب العسكرى، من المرجح الافتراض أن النظام السورى يأخذ فى الحسبان احتمال إقدام إسرائيل على استغلال انشغال الروس فى أوكرانيا وتكثيف غاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية فى سوريا، بل وربما ضد أهداف سورية أيضا.
من جانبها، قد تستغل روسيا تشكيلات المقاتلين التى أقامتها فى سوريا وتجندها فى العمليات الحربية ضد أوكرانيا، مثلما فعلت فى جبهات قتالية أُخرى، مثل أذربيجان وليبيا. أما التخوف الأكبر فهو أن تبادر روسيا إلى إطلاق عمليات عسكرية من قواعدها فى سوريا ضد أهداف أوروبية. ولا شك فى أن مثل هذا التطور لن يكون فى مصلحة النظام السورى الذى يصارع لترسيخ الاستقرار فى أنحاء الدولة.
قد تكون للحرب فى أوكرانيا انعكاسات على مكانة الأسد الدبلوماسية أيضا. فحتى قبل سنة واحدة تقريبا، كان الأسد بمثابة «منبوذ» فى الشرق الأوسط، بينما شرع بعض الدول العربية، أخيرا، فى مساعٍ لتطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته. أما التحالف المتين مع بوتين، الذى يُعتبر اليوم عدوا للعالم الغربى، فلا يخدم الأسد فى هذه الفترة، بل قد يعود بضرر وخيم على محاولاته الرامية إلى الفوز بالشرعية الإقليمية والدولية.
وليس بعيدا عن الحقيقة الافتراض أن الأسد متخوف من أن الضغط الغربى على روسيا، سواء كان اقتصاديا أو دبلوماسيا، قد يُضعف الدعم الروسى له أو قد يؤدى، على الأقل، إلى الحد من تدخُل روسيا فى سوريا. وهذا بالتأكيد إذا ما أخذنا فى الحسبان حقيقة أنه ليس لدى الرئيس بوتين مشاعر خاصة تجاه الأسد، أو تجاه الدولة التى يقف على رأسها، بل إن ما يشغله ويحكم اعتباراته هو المصالح الروسية، المتغيرة تبعا للظروف.
فى التحصيل الأخير، فى الجدل الجارى فى إسرائيل بشأن العلاقة بين ما يجرى فى أوروبا وبين النشاط الإسرائيلى فى سوريا، ينبغى ألا نستهين بأهمية العلاقات مع روسيا، لكن ينبغى، فى المقابل، عدم إغفال موقف إسرائيل القوى وما تمتلكه من أوراق مساومة، بما فى ذلك فى السياق السورى أيضا. فهذه إلى جانب الارتدادات السلبية التى قد تصيب سوريا جراء الحرب الراهنة فى أوروبا، قد تنطوى على فرص جديدة لإسرائيل لا تقل عن المخاطر.

كرميت فالنسي
باحثة بمعهد أبحاث الأمن القومى ــ جامعة تل أبيب
موقع N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات