الإعلان الدراماتيكى بالأمس عن اتفاق إطار بين إيران والدول العظمى فاجأ تقريبا جميع الذين كانوا خارج غرف المفاوضات المغلقة فى فندق «بوريفاج» فى لوزان. ومن بين الذين فوجئوا الصحفيون الذين انتظروا بكثير من الشك طوال ثمانية أيام نتائج المحادثات، وكذلك العديد من الأطراف، وبينهم أطراف فى إسرائيل، هاجموا بشراسة الصفقة فى الأشهر الأخيرة.
لكن على عكس خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكى، والخط العلنى لحكومة إسرائيل فى العامين الأخيرين وردة الفعل التلقائية للقدس أمس، فإن الاتفاق ليس سيئا على الإطلاق. وعندما نتعمق فى التفاصيل نرى فى الاتفاق نقاطا إيجابية كثيرة تخدم مصلحة إسرائيل الأمنية وتقدم ردا على قلق القدس.
إن الإنجازات التى حققتها إيران هى بالأساس من ناحية ما تستطيع قوله، فحقوقها كما تراها قد احترمتها الدول العظمى، وتستطيع إيران أن تعلن أن منشآتها النووية لن تُغلق، وأن تخصيب اليورانيوم سيستمر، وأن العقوبات المهينة المفروضة عليها سترفع. فى المقابل، حققت الدول العظمى إنجازات كثيرة تتعلق بالأمور العملية.
يفرض اتفاق الإطار قيودا كثيرة على برنامج إيران النووى على امتداد جيل، أما ادعاء حكومة إسرائيل أن إيران ستحظى طيلة عقد من الزمن بالتطبيع الكامل لبرنامجها النووى فى نظر العالم، وتستطيع خلاله أن تفعل ما تشاء، فقد اتضح أنه كلام فارغ.
صحيح أن القيود على عدد أجهزة الطرد المركزى التى تستطيع إيران بواسطتها تخصيب اليورانيوم ستتلاشى خلال عشرة أعوام فقط من بداية تطبيق الاتفاق، وكان من الأفضل لو أن هذه الفترة الزمنية كانت أطول، لكن طيلة 15 عاما لن يسمح لإيران بتخصيب اليوارنيوم على درجة أعلى من 3.5% التى لا يمكن بواسطتها إنتاج سلاح نووى. والحد الأقصى الذى فى استطاعة الإيرانيين أن يفعلوه بهذا اليورانيوم هو استخدامه للحاجات المدنية، أو تخزينه فى المخازن وتركه يتراكم عليه الغبار.
كما أن آلية الرقابة الصارمة والاختراقية المحددة فى اتفاق الإطار والتى سيجرى تفصيلها أكثر فى الاتفاق الشامل، ستسمح لمراقبى الوكالة الدولة لطاقة النووية بالدخول إلى جميع منشآت إيران النووية وإلى مناجم اليورانيوم ومخازن قطع الغيار لمدة ترواح بين 20 و25 عاما.
ثمة أمر إيجابى آخر تضمنه الاتفاق هو موافقة إيران على المصادقة على البروتوكول الملحق بمعاهدة منع انتشار السلاح النووى وعلى تطبيقه، وهو يسمح لمراقبى وكالة الطاقة الدولية بزيارات مفاجئة لأى منشأة يُشتبه بأنها تقوم بنشاطات نووية ممنوعة. ومعنى ذلك أنه سيكون من الصعب جدا على إيران البدء ببرنامج سرى، وإذا حاولت ذلك فإن احتمالات اكتشافه كبيرة.
يتضمن الاتفاق أيضا بنودا ليست مريحة بالنسبة لإسرائيل، مثل البنود المتعلقة بمجال الأبحاث وبتطوير أجهزة الطرد المركزى المتقدمة، أو فى مجال رفع العقوبات الاقتصادية أو عقوبات مجلس الأمن، لكن هذه ليست البنود الأكثر أهمية فى الاتفاق، وبالتأكيد ليست مما لا يمكن إيجاد حلول لها فى الحوار الحميم والسرى والرصين مع الإدارة الأمريكية.
سيكون من الصعب محاربة هذا الاتفاق أو تسويقه بوصفه اتفاقا سيئا. أحد الأسباب لذلك هو أنه من الواضح لكل من يقرأ تفاصيل الاتفاق أنه إذا طبقته إيران كما تقول، فإن خطر القنبلة النووية الإيرانية سيصبح أقل أهمية خلال العقدين القادمين على الأقل.
باراك رفيد
محلل سياسى
هاآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية