خلال الأسبوع الأخير دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة. ففى يوم الجمعة الأخيرة التى اطلق عليها الثوار اسم جمعة اطفال الحرية نزل مئات الآلاف فى كل مدن سوريا وريفها الى الشوارع واصطحبوا اطفالهم فى المظاهرات معبرين بذلك عن استعدادهم للتضحية بأغلى ما يملكونه من أجل التغيير وعن تضامنهم مع أهل الطفل الشهيد حمزة الخطيب الذى توفى تحت التعذيب. المؤشرات تدل على ان النظام السورى بدأ يفقد السيطرة الأمنية على البلاد وهى وسيلة السيطرة الوحيدة المتبقية لديه لأن لا أحد بات يؤمن بأن هناك إدارة سياسية للوضع.
المؤشر الأول أن هذه الجمعة شهدت اكبر مظاهرات منذ بداية الانتفاضة وذلك يشير الى ان الأكثرية الصامتة حتى الآن قد بدأت تخرج عن صمتها.
المؤشر الثانى هو ان الامن لم يعد يبدو قادراً على السيطرة على كل المدن فى آن واحد فقرر يوم الجمعة هذه ان يحشد قواته فى حماه لانه كان يعلم ان الحمويين ينوون الخروج بكثافة وحصل ما حصل من قمع وحشى ذهب ضحيته عشرات من الناس والله يعلم ما هو العدد الصحيح بما أن عدد المفقودين قد تجاوز العشر الاف والمستشفيات لا تجد المعدات الاولية والأدوية لإسعاف الجرحى.
لكن يبدو ان الأمن فى هذا الأثناء ترك مدينة حمص مثلاً وغيرها من المدن والبلدات الأصغر بدون قوات فتظاهر الناس بحرية وساد لديهم شعور بانهم كانوا شبه مسيطرين على الوضع على الارض. امام صور القتلى والجرحى التى تنقلها يوتيوب والقنوات الفضائية قطع النظام الكهرباء عن مناطق باكملها وتوقع ان تمتد المظاهرات الى المواقع الاستراتيجية حيث تتمركز سلطته اى العاصمة فحشد الجيش الذى نزل بدباباته ليحاصر دمشق خلال وقت قصير بعد الجرائم التى ارتبكها الامن فى حماه.
فى هذا الأثناء عقدت مجموعة من المعارضة من مختلف التيارات مؤتمراً فى مدينة انطاليا فى تركيا طالبت باستقالة بشار الاسد من منصبه وتعيين نائب الرئيس فاروق الشرع لادارة مرحلة انتقالية تمتد لسنة يجرى خلالها تنظيم انتخابات حرة. رغم بعض التحفظات لدى اطراف أخرى من المعارضة وخاصة من داخل سوريا أى من تنسيقيات الثورة ووجوه المعارضة فان المجموعة نجحت فى مواكبة التصعيد الذى تم على الارض.
اتضحت الآن رسالة الشعب السورى: السوريون قرروا ان يدفعوا ثمن التغيير مهما كان غالياً وذلك بإرادتهم وامكانياتهم الذاتية وبالتقيّد بالأساليب السلمية. يرفضون أى حديث عن تدخل خارجى ويطلبون من المعارضة فى الخارج ان تمتنع عن أخذ اى مبادرة من شأنها ان تسلب القرار السياسى من القيادة فى الداخل او تجعل النظام اكثر شراسة تجاههم وتجاه المتظاهرين. كل ما تتمناه من القوى الخارجية (وهنا توجه اصابعها الى الدول العربية الصامتة والى روسيا كعضودائم فى مجلس الأمن) هو أن ترفع الحماية عن نظام الأسد.