وسط عاصفة الجدال حول الإجراءات التى تعتزم أن تقوم بها وزارة التضامن الاجتماعى، وبقية أجهزة الدولة، لإرغام منظمات المجتمع المدنى المصرية على التسجيل وفقا للقانون الجديد، والذى يتفق المجتمع المدنى بمنظماته وجمعياته على أنه غير صالح ولا يتفق مع ما ينص عليه الدستور المصرى من حرية الرأى والتعبير، لم يعد أحد يتحدث عن أزمة المنظمات الأمريكية مثل المعهد الجمهورى والمعهد الديمقراطى وفريدم هاوس والمركز الدولى للصحفيين، سواء فى القاهرة أو حتى فى العاصمة الأمريكية واشنطن.
•••
كانت قوات الأمن المصرية قد داهمت صباح يوم 29 ديسمبر 2011 مكاتب 17 منظمة حقوقية فى مصر، منهم الأربع منظمات الأمريكية. وتمت مداهمة المقار بدعوى وجود «دلائل على قيامها بممارسة أنشطة بالمخالفة للقوانين المصرية ذات الصلة، وثبوت عدم حصول أى منها على أى تراخيص أو موافقات من وزارة الخارجية المصرية أو وزارة التضامن الاجتماعى لفتح فروع لها فى مصر، وما يرتبط بذلك من جرائم أخرى بالمخالفة لقانون العقوبات وقانون الجمعيات الأهلية»، حسبما ورد فى بيان صدر عن قضاة التحقيق المنتدبين من وزير العدل. وأعلنت الجهات القضائية المصرية المسئولة عن التحقيقات أسماء 43 متهما تمت إحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة، بتهمة إدارة وتأسيس فروع لمنظمات أجنبية داخل مصر وتلقى الأموال من جهات أجنبية وإنفاقها على أنشطتهم دون موافقة الحكومة المصرية. كما تم منع جميع المتهمين المحالين إلى المحاكمة من السفر، واستمرار وضع المتهمين الهاربين على قوائم ترقب الوصول. وكان من بين هؤلاء المتهمين ستة مواطنين أمريكيين.
وتعمقت الأزمة بعد لجوء المواطنين الأمريكيين لسفارة بلادهم خشية تعرضهم للاعتقال، وثارت ثائرة الإدارة الأمريكية بكل قطاعاتها بما فيها الكونجرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية. كذلك تدخل البنتاجون على خط الأزمة بمكالمات تليفونية متكررة من كبارة قادة الجيش الأمريكى لأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم حينذاك، وأكد وزير الدفاع الأمريكى للمشير طنطاوى استحالة إقناع استمرار الكونجرس بتقديم المساعدات العسكرية التى تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار دون الإفراج عن الموظفين الأمريكيين والسماح بعودتهم لبلادهم فورا. ثم تحدث يوم 21 يناير 2012 الرئيس أوباما تليفونيا مع المشير طنطاوى، وشدد أوباما على الدور المهم للمجتمع المدنى، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية، فى مجتمع ديمقراطى. وشدد على أن المنظمات غير الحكومية ينبغى أن تكون قادرة على العمل بحرية.
ورغم البيانات الحكومية المصرية الرسمية التى ذكرت أن موضوع منع الأمريكيين من السفر هو شأن فى يد القضاء، غادرت سيارات تابعة للسفارة الأمريكية حى جاردن سيتى متجهة لمطار القاهرة وعليها 13 متهما أجنبيا، من بينهم الستة الأمريكيين لتنقلهم طائرة عسكرية أمريكية لبلادهم يوم 1 مارس 2012, ولم يعرف لليوم سر وتفاصيل مغادرة الأمريكيين القاهرة.
•••
وفيما بدا وأنه صفقة بين القاهرة وواشنطن لرأب الصدع بين العاصمتين، بادرت وزارة الخارجية الأمريكية بإبلاغ الحكومة المصرية رغبتها فى وضع حد للأزمة بين الدولتين على خلفية التصعيد غير المسبق من الجانب المصرى على خلفية قضية المنظمات الأمريكية. وإضافة لقضية تسجيل المنظمات الأمريكية، احتجت القاهرة مرارا وبشدة على تمويل واشنطن من خلال منظماتها لجمعيات وبرامج حقوقية مصرية.
من هنا بادرت واشنطن بعرض «تقديم لائحة بأسماء المنظمات المسجلة وغير المسجلة قانونيا مع الحكومة المصرية وذلك بعض الحصول على ضمانات من الحكومة المصرية بعدم التعرض لهم وعدم تقديمهم للمحاكمات».
ورأت واشنطن أن الاعتراض المصرى على تمويل منظمات المجتمع المدنى المصرية هو خطوة تصعيدية غير مبررة. وكانت السفيرة السابقة لدى مصر، آن باترسون، قد أشارت فى جلسة اعتمادها أمام مجلس الشيوخ الأمريكى فى صيف 2011 أن 600 منظمة مصرية قدمت طلبات للحصول على المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر.
وفوجئت واشنطن بحجم الاعتراض المصرى الرسمى والإعلامى على موضوع تمويل بعض البرامج فى مصر، واستغربت دور الإعلام الحكومى الرسمى الذى وقف ضد منظمات المجتمع المدنى وضد الولايات المتحدة تماما كما كان يحدث فى بعض المناسبات فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
•••
مع استمرار محكمة جنايات جنوب القاهرة نظر القضية، صدر قرار يوم الثلاثاء 4 يونيو 2013 بالسجن من سنة إلى خمس سنوات على 43 متهما بينهم ستة مواطنين أمريكيين ليبدأ معها فصل جديد شديد التوتر فى ملف العلاقات المصرية الأمريكية بسبب ملف المنظمات الأمريكية. فبمجرد صدور قرارات سجن المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى فى القاهرة يوم الثلاثاء 4 يونيو 2013، فتحت واشنطن نيران مدفعيتها الثقيلة تجاه الرئيس الأسبق محمد مرسى ونظام حكمه، وليبدأ معها فصل جديد شديد التوترِ فى ملف العلاقات المصرية الأمريكية. وعقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب جلسة استماع يوم الأربعاء 12 يونيو بعنوان «هجوم مرسى على المنظمات الأمريكية غير الحكومية» لبحث تداعيات ونتائج الأحكام المصرية، والآثار السياسية على العلاقات الثنائية بين الدولتين، خاصة ما يتعلق منها بالمساعدات العسكرية (1.3 مليار) وغير العسكرية (250 مليون) دولار سنويا.
ودعت اليانا روس ليتينن، رئيسة اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، إلى مطالبة الرئيس محمد مرسى بإصدار عفو عن جميع الأفراد الذين كانوا يعملون بالمنظمات غير الحكومية فى مصر والبالغ عددهم 43 فردا، كما طالبت بإعادة فتح مكتب هذه المنظمات دون مزيد من المضايقات من جانب السلطات الحكومية.
إلا أنه ومنذ ذلك الحين اختفت قضية المنظمات الأمريكية لأسباب قد تكون مفهومة، من على رادار الأحداث الملتهبة فى مصر، إلا أنه من غير المفهوم تجاهل دوائر صنع القرار الأمريكى قضية كانت تعد يوما ما من أهم القضايا الخلافية بين القاهرة وواشنطن.