أثارت الحملة الدولية التى تتبناها مؤسسة اليونسيف لمكافحة التمييز ردود أفعال إيجابية واسعة حينما بدا رد الفعل فى بلادنا قوى الأثر واسع الانتشار. تابعت الحركة النشطة التى بدأت فى وزارة التربية والتعليم والمجلس القومى للطفولة وانتبهت إلى الدور الذى يمكن أن يتبناه الفنان المصرى إذا ما أراد بالفعل أن يجد صدى نافعا لشعبيته لدى الناس حينما انتهت إلى الأثر الذى تركه ظهور الفنانة منى زكى فى نفوس من تابعوا معى إعلانها عن أهمية مقاومة ظاهرة التنمر خاصة فى مدارس الأطفال.
التنمر سلوك عدوانى مرضى يتسلط به شخص على آخر يتعمد إيذاءه وإهانته والإضرار به جسديا ونفسيا دون ما سبب ظاهر أو خلاف وارد. إنما هو فقط محاولة للسيطرة على شخص آخر يعنيه بوسائل قهرية قد تبلغ حد الإيذاء الجسدى بصورة متكررة عنيفة. قد يظهر أيضا بصورة كريهة غليظة من مجموعة تجاه فرد بعينه أو من مجموعة تجاه مجموعة أخرى فيبدأ بالتنابز بالألقاب أو السخرية المجردة من صفات جسدية مميزة وقد ينتهى إلى حد الاعتداء والإيذاء الجسدى بل والجنسى فى أحيان كثيرة.
التنمر فى الواقع ظاهرة عالية لا تستثنى مجتمعا ومن الأمثلة ما يخجل بالفعل الضمير الإنسانى كتلك التى أرقت ضمير المجتمع الأمريكى أخيرا حينما تعودت مجموعة من شباب المرحلة الثانوية فى ولاية تكساس «أربعة أشخاص» التنمر بفتاة رقيقة الحال تزاملهم فى الفصل الدراسى حتى إنهم استدرجوها لمكان مهجور وتناوبوا اغتصابها وتعذيبها وجلدها بالأحزمة حتى أسلمت الروح بين أيديهم فدفنوها، وعادوا أدراجهم ليحضروا دروسهم بانتظام لا يلفت إليهم الأنظار لكن صديقتها أبلغت البوليس مشتبهة فى أنهم وراء اختفائها فكان أن لقوا جزاءهم.
طالعت فى الصحف صورا مؤثرة لزملائها وهم ينثرون الزهور ويوقدون الشموع فى مكان اكتشاف جثتها لكننى فى الواقع لم أتأثر بهم إنما ملأنى غضب عارم تجاههم: أين كانوا حينما كانوا يشاهدون هؤلاء القتلة يعبثون بحاجياتها فى الفصل ويتطاولون عليها ويحاولون إخافتها وإهانتها دائما كما ذكرت بالتفصيل صديقتها الوحيدة فى التحقيقات.
أين كان أساتذتها وهم بلاشك على علم بمظاهر السخرية منها والاعتداء على حرماتها أمامهم؟!
أشعر بالفعل بامتنان شديد لكل من ساهم ويساهم فى تلك الحملة التى تستهدف مكافحة ظاهرة بالغة الخطورة. لا أتمنى أن تقف حدود تلك الحملة عند حدود تشخيص الظاهرة أو إلقاء الضوء عليها فبلاشك نحن أيضا نعانى من المتنمرين فى مجتمعاتنا فى أشكال كثيرة متعددة تبدأ من التنمر بالألفاظ مرورا بكل صفوف الأذى الذى يمكن أن يصل إلى حد الاغتيال المعنوى.
أهم ما يجب أن نلتفت إليه هو التنمر فى سنوات الطفولة والذى ينم عن مشكلات نفسية عديدة قاسية قد ينتهى باكتئاب الطفل وعزوفه عن المدرسة بل وتردى مستواه العلمى والنفسى. أما المتنمر ذاته فهو بلاشك بذرة من بذور الشر التى تنبت سريعا كشجرة قاسية حافلة بالأشواك تتشبث بضحيتها وتستمد ضعفها لتنشر فروعها الغليظة لتمتد مساحة الأذى لتطال ربما المجتمع بأكمله، علينا أن نجد يدا قوية فاعلة لحماية المتنمرين أما المتنمر ذاته فهو أيضا يجب أن يعالج بحزم حتى لا تتشبث جذور الشر بأرض خصبة لتزهر أشواكا تنغرس فى نسيج المجتمع.